الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وتحولات الرأي العام الأمريكي

جيمس زغبي

خلال 45 سنة، منذ تدشين حملة حقوق الإنسان الفلسطيني، شهدتُ حروبا مأساوية، ودافعت عن الفلسطينيين أمام جرائم شنيعة. ومن الصعب ذكر القائمة المؤلمة من الحروب والجرائم. وأثناء كل هذه الفترة، كان لدينا مؤيدون أمريكيون تبنوا قضية الحقوق الفلسطينية. لكني لم أر قط تغيرا يحدث في بحر الرأي العام وتأثيره على الجدل السياسي مثل الذي يحدث الآن. فقبل خمسة عقود، لم يكن هناك إلا حفنة من أعضاء الكونغرس الذين عبروا عن آرائهم بشجاعة، ولم يدعم دعوتنا لدعم حقوق الإنسان الفلسطيني إلا بعض الكنائس المسيحية وزعماء للحقوق المدنية ونشطاء للدفاع عن السلام وجماعات يهودية تقدمية صغيرة. وتعرض هؤلاء، مثلنا، لتخويف استهدف كتم أصواتهم أو معاقبة نشاطهم.
وبدأ التغير مع الانتفاضة الأولى، حين بث التلفزيون القومي صورا لجنود إسرائيليين يطلقون النار على شاب فلسطيني يرجمهم بالحجارة، وحين انتشرت حالة من الرعب بسبب أوامر إسحاق رابين لجنوده بأن يكسروا عظام المحتجين. وبناء على هذا التغيير في الرأي العام، أثار جيسي جاكسون قضية العدل للفلسطينيين في حملته في انتخابات الحزب «الديمقراطي» للسباق على الرئاسة الأمريكية عام 1988. وفي ذاك العام، نجحنا في طرح القضية لأول مرة على منبر مؤتمر الحزب «الديمقراطي». وبعد مؤتمر مدريد للسلام واتفاقات أوسلو، حدث تغير ملحوظ في الرأي الأمريكي. وحين نمعن النظر نجد أن التغير حدث في الجانب «الديمقراطي» إلى حد كبير. فقد دعم الرئيس بيل كلينتون و«الديمقراطيون» عملية أوسلو، فيما تبنى «الجمهوريون»، بعد تزايد خضوع حزبهم للمسيحيين اليمينيين والمحافظين الجدد من عهد ريغان، موقفا متشددا مؤيدا لإسرائيل.
وتظهر استطلاعات الرأي أن غالبية الناخبين «الديمقراطيين» لديهم «وجهات نظر» معارضة بشدة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ويؤيدون تعليق المساعدات الأمريكية لإسرائيل على معاملتها للفلسطينيين. ولم تتغير التوجهات فقط، بل أصبحت الجماعات اليهودية التقدمية والأمريكيين العرب المنظمين أكثر قوة بسبب هذه البيئة السياسية الجديدة، وأصبحوا يضغطون على مسؤوليهم المنتخبين. وهذا عزز جرأة أعضاء من الكونغرس على التصريح بآرائهم. وردا على كل من السياسات الإسرائيلية في الآونة الأخيرة في القدس وقصف غزة، كان لهذا الانقسام تأثير.
وكل هذا تمخض عن أنه لأول مرة في 30 عاما، وقف أكثر من عشرة أعضاء من الكونغرس في قاعاته ليدينوا المساعي الإسرائيلية لطرد الفلسطينيين من منازلهم في القدس وقتل المدنيين في غزة. ودعا أكثر من نصف التكتل «الديمقراطي» في مجلس الشيوخ الأمريكي إلى وقف إطلاق النار بين «حماس» وإسرائيل على الفور، وطالب تقدميون في مجلس النواب الرئيس بايدن بوقف صفقة مقترحة لبيع أسلحة أمريكية لإسرائيل. والجدير بالملاحظة أيضا هو إحجام عدد من الأعضاء «الديمقراطيين» في مجلسي الشيوخ والنواب، ممن يؤيدون إسرائيل عادة، عن الإدلاء بآرائهم.
وخصصت الصحافة الأمريكية تغطية مكثفة لهذا التطور. وشعرتُ بالفخر حين رأيت أن قصة الصفحة الأولى في صحيفة «نيويورك تايمز» تبدأ بجملة «في عام 1988، حين كان جيمس زغبي يدفع الديمقراطيين ليجعلوا من قضية السيادة الفلسطينية جزءا من برامجهم، ردوا بأن مجرد ذكر كلمة فلسطين في البرنامج كفيل بسحق كل شيء». وأشارت القصة إلى قيام وانهيار القضية في ذاك الوقت، لكنها أصبحت الآن تحتل محور الجدل السياسي. وهذه أنباء جيدة. والأكثر إنعاشا وإثارة للانتباه، كما لاحظت في القصة نفسها هو أن «قاعدة الحزب أصبحت في مكان مختلف تماما عن مؤسسة الحزب». صحيح أننا لم نكسب هذا الجدل السياسي بحال من الأحوال. لكن الجديد والمهم، هو أننا نحرك الجدل وهذه أول خطوة على طريق التغيير.

غالبية الناخبين «الديمقراطيين» لديهم «وجهات نظر» معارضة بشدة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ويؤيدون تعليق المساعدات الأمريكية لإسرائيل على معاملتها للفلسطينيين