الشيطان يحكم
في كتابه القيم «الشيطان يحكم» يصف الدكتور مصطفى محمود الإنسان الحقود كالتالي: «الإنسان الحقود هو إنسان معتقل من الداخل، سجين قفصه الصدري لا يستطيع أن يمد يديه إلى أحد لأن يديه مغلولتان وشرايينه مسدودة وقلبه يطفح بالغل، كيف يمارس الحب بحرية واختيار وهو ذاته معتقل؟».
هذا الوصف الدقيق للإنسان الحقود يكاد ينطبق حرفيا على عزيز رباح.
فقد أعطى وزير التجهيز والنقل، المرشح كوكيل لائحة الحزب الحاكم للتنافس على مقاعد بلدية القنيطرة وجهة الغرب، المثال على أنه دكتاتور صغير وحقود، وأن الخطر كل الخطر أن يعود للجلوس فوق كرسي الرئاسة سواء داخل مقر البلدية أو مقر الجهة.
فالرجل لا يقبل أن يعارضه أحد، وقد وصلت به الصلافة والعزة بالاثم أن نعت معارضيه بالكلاب في تدوينة نشرها بصفحته الفيسبوكية.
وليته توقف عند السب والشتم، فالرجل، وفي غمرة حماسته واعتداده بزميله وزير العدل وشريكه في «الرأي»، وضع 17 شكاية ضد معارضيه لجرجرتهم أمام القضاء، تماما مثلما فعل معنا وحكمت له المحكمة بأربعين مليونا.
هدف وزير التجهيز والنقل من وراء استعماله لأسلوب السب والشتم ومقاضاة معارضيه هو الترهيب والإخضاع والاحتواء.
وهذه السياسة يطلقها رباح مع المعارضين كما يطبقها مع مدراء المؤسسات العمومية والرسمية في القنيطرة منذ وصوله إلى رئاسة بلديتها.
ومنذ مجيء الوالي العدوي حاول رباح زرع عيونه وآذانه في مختلف مصالح الولاية من الموظفين، عبر نائبه الثالث في المجلس البلدي عزيز كرماط وذراعه الأيمن في الحزب والنائب البرلماني باسم البيجيدي والموظف الشبح في عمالة القنيطرة والعضو المؤثر في جمعية الأعمال الاجتماعية لموظفي ولاية جهة الغرب الشراردة بني حسن، حيث انتقل من مجرد موظف بسيط إلى واحد من أعيان المدينة بفضل خدماته.
كرماط الذي يقوم بوظيفة «فكاك الوحايل» ما بين رباح وبلمقيصية والمواطنين، سبق أن استفاد من شقة غالية الثمن من مشروع لجمعية الأعمال الاجتماعية لموظفي عمالة القنيطرة، شأنه في ذلك شأن رجال السلطة من باشاوات وقواد وغيرهم، وبتمويل من المجلس الإقليمي على عهد الرئيس والعدو رقم واحد لرباح إدريس الراضي المعروف بمول الغابة.
ويخدم كرماط مصالح مكتب ومنخرطي هذه الجمعية في البلدية ولا يتردد في تشجيع منخرطيها من الموظفين على خدمة أجندته السياسية وحزبه سواء من موقع المنخرطين أو المتعاطفين.
رباح لم يقف عند استعمال كرماط، الذي عارض إعفاء كولونيل المخازنية ذي الميولات السلفية، إثر رفضه تقديم التحية للوالي العدوي، لاختراق ديوان الوالي بقدر ما أقدم على محاولة اختراق فاشلة لديوانها انتهت بعزل مستشارة مشتبه بها.
بعد مراكمة هذه المحاولات الفاشلة مع السلطة الجهوية سيلجأ رباح إلى محاولة ترويض عدد من مسؤولي المصالح غير الممركزة لخدمة أجندته الانتخابية.
سياسة العصا والجزرة عند رباح كانت بداية مع مديرة الوكالة الحضرية للقنيطرة سيدي قاسم، التي تتولى كذلك منصب رئيسة فدرالية الوكالات الحضرية بالمغرب.
غير أن رياح هذه الأخيرة لم تهب في الاتجاه الذي تشتهيه سفن رباح مما سيجر عليها «تنوعير» هذا الأخير.
وهي الضغوطات التي يخاف رباح من ممارستها ضد صديقتها مديرة المركز الجهوي للاستثمار بالقنيطرة، والتي وقعت عدة قرارات ضد مشاريع عقارية غير قانونية دافع عنها رباح، كمشروع عقاري فوق مرجة الفوارات على سبيل الذكر لا الحصر.
وإذا عرف السبب بطل العجب، فمديرة المركز الجهوي للاستثمار هي أخت المدير العام للأمن الوطني، وهي، كأخيها، معروفة بصرامتها وانحيازها لتطبيق القانون وعدم الخضوع للابتزاز أو الضغط.
ولم يكتف رباح بتسخير بلمقيصية «الطوبوغرافي» الذي كان مكتبه «ينش الدبان» قبل وصوله لرئاسة بلدية القنيطرة بالنيابة، لمحاربة مديرة الوكالة الحضرية التي «قطعت الما والضو» على مشاريع التعمير غير القانونية التي يوقع عليها نائب رباح، الذي يعرف القنيطريون كيف خرج من «دار الضو» حيث كان موظفا بسيطا فأصبح بقدرة قادر من أباطرة العقار بحزب البيجيدي، دون الحديث عن قضية نجله في ملف الكوكايين، وهي القضية التي انهزمت فيها شقيقة وزير العدل الرميد المحامية في دعوتها ضد «الأخبار».
قلت لم يكتف رباح بحروب بلمقيصية ضد مديرة الوكالة الحضرية للقنيطرة سيدي قاسم، بقدر ما استغل موقعه الحكومي لكي «يطيرها» من منصبها حيث ضغط على الوزير المكلف بالتعمير السابق امحند العنصر وكذلك على سلفه الحالي ادريس مرون.
أما داخل الوكالة المستقلة للماء والكهرباء وتطهير السائل، وهي المؤسسة التي تكلفت بتمويل ودراسات مشاريع إعادة قنوات الصرف الصحي بمجموع أحياء القنيطرة، خاصة منطقة الساكنية، فلم يسلم مديرها بدوره من محاولة الاحتواء والاستقطاب التي بادر إليها رباح، على الرغم من أن هذه الوكالة تابعة كذلك لوزارة الداخلية، قبل أن ينقلب عليه في محاولات لمحاسبة الوكالة على مشاكل فترة لم يكن فيها مسؤولا، خاصة عندما انفجر موزع للكهرباء بمنطقة اولاد امبارك بسبب سارقي الكهرباء.
ومعلوم أن بلدية رباح عجزت عن أداء عدد من فواتير استهلاك الماء والكهرباء للوكالة، مثلها مثل جماعة الحدادة القروية المتحالف رئيسها المنتهية ولايته حميد السعداوي مسبقا مع رباح بعد سنوات من توعد هذا الأخير بإدخاله السجن بسبب ما راكمه من فساد تدبيري منذ 24 عاما وتهميش للمواطنين، واليوم يمنح العدالة والتنمية التزكية «لمسامر الميدة» من شركاء السعداوي في سنوات الضياع بجماعة الحدادة.
أما على مستوى القطاع الصحي، فإن مندوب الصحة بالقنيطرة والجهة، أي مسؤول التنسيق للسياسة الصحية بالإقليم والجهة، فقد ظل منذ صعود رباح إلى الحكومة في مرمى سهامه، إذ غالبا ما كان يساق إلى دورات المجلس البلدي للتناوب على جلده أمام المواطنين لا لشيء سوى لأنه رفض الانبطاح لرباح الذي مارس ضغطا رهيبا على حليفه في الحكومة الوزير الوردي من أجل إعفائه.
وبالمقابل كان منتخبو البيجيدي ينوهون بعمل مدير الصحة المسؤول التدبيري للمرافق الصحية، ومنها كوارث المستشفى الإدريسي أو «سبيطار الغابة»، قبل أن يكتشف الجميع سر هذه المودة عندما ترشح السيد المدير باسم حزب العدالة والتنمية بسلا.
وهو الذي شكك القائمون على البرتوكول خلال الزيارة الملكية الماضية بتاريخ 12 ماي 2015 في قدراته التواصلية وتم في آخر لحظة استبعاده من المشاركة في تقديم شروحات للملك حول مشروع بناء المستشفى الجهوي للقنيطرة بكلفة 600 مليون درهم وحل محله مندوب الصحة بالقنيطرة والجهة.
أما جسم القضاء بالقنيطرة فتلك حكاية أخرى، فبعد فشل محاولات رباح في ترويض مسؤولي الداخلية والصحة وعدة مؤسسات للدولة مرتبطة بالخدمات الاجتماعية المباشرة مع المواطنين لخدمة أجندته الانتخابية، أصبح الجميع في القنيطرة يتساءل هل لرباح يد في تعيين مسؤول قضائي أخيرا بالقنيطرة على علاقة عائلية مع قيادي في حزب العدالة والتنمية مقرب من رئيس الحكومة ؟
الجواب ستكشفه الأيام القادمة، وإن كان وكيل عام للملك سابق بالقنيطرة قد ربط استقالته بتنقيله من القنيطرة إلى الرباط تعسفيا لرفضه الإملاءات وانتصاره لاستقلالية القضاء.
وهنا لا يجب أن يفوتنا أن خسران ملفات رفعتها أخت وزير العدل ومقربون من عزيز رباح ضد «الأخبار» في محكمة القنيطرة جعل السيد رئيس المجلس البلدي والحاكم بأمره في القنيطرة يطلب من زميله وزير العدل استعمال صلاحياته لكي يقوم بسياسة «قلب شقلب» على رأس الجهاز القضائي بالقنيطرة، خصوصا وأن أخت وزير العدل اتهمت مباشرة جهاز كتابة الضبط بسرقة وتزوير محضر في قضيتها مع «الأخبار»، والضابطة القضائية جهاز تابع لرئيس المحكمة مباشرة.
ويبدو أن معالي وزير العدل لم يهضم خسران أخته المحامية لدعواها ضد «الأخبار» بسبب عيوب شكلية اقترفتها في شكايتها، لذلك قرر أن ينتقم لها بقطع رؤوس في الجهاز القضائي بالقنيطرة عوض أن يطلب من أخته مراجعة دروس القانون التي يبدو أنها نسيتها في خضم ممارستها للسياسة.
ومنذ تعيين رباح وزيرا للتجهيز، كان آخر ضحايا دكتاتورية الوزير المسؤول ورئيس بلدية القنيطرة هو المدير الجهوي للتجهيز بالقنيطرة، والذي وقع رباح قرار إلحاقه بالإدارة المركزية قبل أيام، وذلك بسبب عدم انصياع المدير لتعليمات رباح الانتخابية، ومنها التعامل مع شركات معينة كي تستفيد من سندات الطلب «bon de commande» لمشاريع بالمدينة والجهة كان الوزير يعول على استغلالها انتخابيا.
ولعل قمة النفاق وسياسة النط على حبلين هي ترشيح الوزير في لائحته شخصا لا يخفي معارضته للملكية.
هذا الشخص الذي يدعي أن وراءه أنصارا بالمئات بمنطقة أولاد امبارك والحنشة وبئر الرامي، لم يجد في 6 نونبر 2014 ما يعلق به على خطاب الملك محمد السادس بمناسبة عيد المسيرة الخضراء سوى القول: «كنت أستمع إلى الخطاب الملكي اليوم ثم إعادته في نشرة الأخبار وبجانبي جدتي التي قالت: «الملك اش تيقول، كذوب فكذوب»، مضيفا «جدتي طلعت راجل عليا».
هذا المرشح والذي منحه رباح الوزير في حكومة صاحب الجلالة المركز 17 في لائحة هو وكيل لها، عاد ينفث سمومه تجاه الملكية عند زيارة الملك لتونس في 13 يونيو ليكتب تدوينة على صفحته بالفايسبوك مرفقة بصورة للملك وهو يتجول بشوارع العاصمة تونس بلباس جينز، علق من خلالها على حمل الملك لـ «بانضا» في يده اليسرى قائلا: «كاينة واحد المراة حدانا والدة التوام كتداوي على الفدع»، دون أن تحصد تدوينته هاته غير الاستنكار.
وما يشفع لهذا المرشح «الثوري» هو كونه عضوا نشيطا من أعضاء الجيش الإلكتروني لرباح ومدير صفحة على الفايس تحت مسمى «مستقبل مدينة القنيطرة فوق الجميع» ظلت مسخرة حصريا للنيل من «الأخبار» ومعارضي رباح.
هذا المجند في انكشارية رباح سينشر تدوينة أخرى بنفس مناسبة زيارة الملك لتونس مرفقة بصورة لطالبة تونسية مدفوعة الأجر من الجزائر تحمل يافطة فيها شعار مناهض للزيارة، حيث كتب مرشح رباح هذا التعليق: «طلبة يحتجون على زيارة محمد السادس إلى تونس».
فهمنا أن يرشح حزب العدالة والتنمية معتقلا سابقا على ذمة الإرهاب قضى سنتين وراء القضبان، لكننا حقيقة لا نفهم كيف يرشح الحزب الحاكم في لائحة وزير من وزراء حكومة الملك شخصا مناهضا للملكية.
إذا لم يكن هذا هو التجسيد الحي لسياسة «مومو زوين وطرافو خايبين» التي ينهجها الحزب الحاكم، فإننا لا نفهم ماذا عساه يكون.