الشياطين الخرس
أصبح الموقع الرسمي للحزب الحاكم متخصصا في كيل الشتائم والاتهامات لكل من ينشر خبرا لا يروق لرئيس الحكومة أو لوزراء حزبه أو حوارييه.
فبعد نشر الموقع لكلمة أحمد منصور، التي كال فيها أقذع الشتائم والنعوت للصحافيين المغاربة، قبل أن يعتذر بعذر أقبح من زلة، نشر الموقع ما اعتبره تكذيبا لخبر نشرناه حول استفادة ابن رئيس الحكومة من منحة للدراسة في فرنسا على حساب أموال دافعي الضرائب.
موقع حزب العدالة والتنمية الإلكتروني، التابع لشركة «عدالة ميديا» التي يسيرها عبد العزيز العماري وزير العلاقات مع البرلمان ونائبه سليمان العمراني، نائب عبد الإله بنكيران في الأمانة العامة للحزب، ليس موقعا عاديا، بل هو موقع يتحدث بلسان حزب يقود الحكومة، وعليه فما ينشر فيه لا يورط بنكيران فقط كمسؤول يوقع شيكات صحافيي ومستخدمي شركة «عدالة ميديا»، بل إنه يورطه بوصفه رئيسا للحكومة يتحمل مسؤولية ما ينشره في الموقع الرسمي للحزب الحاكم.
فماذا قلنا في حق نجل رئيس الحكومة حتى غضب حواريوه إلى هذه الدرجة ؟
لنعد إلى تفاصيل الحكاية حتى تتضح الصورة أفضل، فقبل سنة 2011 كان جميع الطلبة المسجلين بالأقسام التحضيرية بالمغرب، والذين يقبلون في لائحة المدارس والمعاهد العليا الفرنسية، يحصلون تلقائيا على منحة تسمى «منحة الاستحقاق»، شريطة أن تكون المدارس التي تسجلوا بها مصنفة في لائحة تضم 12 مدرسة عليا تعتبر من أحسن المدارس الفرنسية.
المشكلة أنه خلال سنة 2011 فوجئ بعض الطلبة الذين تمكنوا من التسجيل بالمدارس العليا الفرنسية المصنفة ضمن اللائحة التي تضم 12 مدرسة عليا من أحسن المدارس الفرنسية بحرمانهم من منحة الاستحقاق، وعندما استفسروا الوزارة عن السبب، أخبروهم بوجود قرار يمنع الطلبة الذين كانوا يتابعون دراستهم بالأقسام التحضيرية الخاصة أو الفرنسية من الحصول على المنحة، ومنهم الطلبة الذين درسوا الأقسام التحضيرية في «ليسي ديكارت» بالرباط.
الآباء تقبلوا الأمر في الأول، وتكلفوا بمصاريف دراسة أبنائهم التي تتطلب 15 مليونا سنويا، وهناك طالب صديق نجل بنكيران ويعرفه جيدا درس في نفس الأقسام التحضيرية وهو مسجل بنفس المدرسة في فرنسا ولم يحصل على المنحة، ووالده رفع دعوى قضائية ضد وزير التربية الوطنية.
لكن، خلال الموسم الدراسي 2012-2011، فوجئ الطلبة الذين حرموا من المنحة بوجود زملاء لهم درسوا في «ليسي ديكارت» وتم قبولهم بالمدارس العليا الفرنسية وحصلوا على المنحة، ومن بينهم رضوان بنكيران ابن عبد الإله بنكيران، خلافا لباقي الطلبة الآخرين موزعين على مدارس مرتبة في المراتب الستة الأولى من بين أحسن المدارس العليا الفرنسية المتخصصة في الهندسة والتجارة ومنهم طلبة مسجلون بمدرسة الطرق والقناطر ومدرسة البولتكنيك.
لائحة الطلبة الممنوحين، المنشورة على موقع وزارة التربية الوطنية، تؤكد أن رضوان بنكيران درس سنتين بالأقسام التحضيرية في «ليسي ديكارت»، بكلفة وصلت مصاريفها الدراسية 7 ملايين سنتيم في السنة، ومنها انتقل إلى فرنسا، وسجل بالمدرسة العليا للتجارة بباريس، وخصصت له وزارة التربية الوطنية منحة بقيمة 5 آلاف درهم شهريا بالإضافة إلى مبلغ جزافي قدره 6 آلاف درهم سنويا مقابل رسوم التسجيل.
نجل عبد الإله بنكيران حصل على المنحة، كما هو مبين في الوثائق، خلال الموسم الدراسي 2012-2011. وحسب آباء الطلبة فعملية التسجيل النهائي بالمدارس الفرنسية تتم خلال شهر يوليوز، وتقدم ملفات الحصول على المنح خلال شهر شتنبر، وتنعقد لجنة دراسة وانتقاء الملفات خلال شهر دجنبر، ولا يتوصل الطلبة بالمنحة إلا في شهر ماي. وهذا يعني منطقيا أن رضوان بنكيران حصل على المنحة سنة 2012، ولحظتها كان والده، كما يتذكر الجميع، رئيسا للحكومة بعد تعيينه يوم 29 نونبر 2011، وظل رضوان بنكيران يحصل على المنحة طيلة ثلاث سنوات التي تتطلبها الدراسة بمدرسة التجارة إلى حين تخرجه خلال الموسم الدراسي الحالي.
نحن عندما نشرنا الخبر لم نتهم رئيس الحكومة بالتدخل لفائدة ولده للحصول على المنحة، بل نشرناه لأن مجموعة من الآباء، وأغلبهم من رجال التعليم، نددوا بإقصاء أبنائهم من منحة الاستحقاق، بينهم طلبة درسوا في ثانوية ديكارت بالرباط، التي درس بها نجل بنكيران، ما جعلهم يتساءلون، ونحن معهم، عن المعايير المعتمدة في عملية توزيع منح الاستحقاق على الطلبة المغاربة، حيث تتحمل الدولة جزءا من مصاريف دراسة نجل رئيس الحكومة، في حين يتحمل الآباء مصاريف دراسة أبنائهم، حيث تكلفهم مبالغ تتجاوز 15 مليون سنتيم سنويا، بالإضافة إلى رسوم التسجيل ومصاريف السكن والتغذية.
الآباء سلموا ملفات أبنائهم إلى رئيس الحكومة، وأخبروه بأن ابنه يحصل على المنحة في حين تم حرمان أبنائهم، وعبروا في رسالة موجهة إلى وزير التربية الوطنية عن استغرابهم من إقصاء أبنائهم من لائحة الحاصلين على منح الاستحقاق رغم أحقيتهم بها، ونظرا لاستيفائهم للشروط والمقتضيات المطلوبة في هذا الصدد، والتي تتعلق بمعيار التميز والظروف الاجتماعية لهؤلاء. وأكد الآباء في رسالتهم أن هذا الإقصاء راجع لسبب وحيد هو كونهم من خريجي المدارس الفرنسية، في حين تخرج نجل بنكيران من نفس المدارس «ليسي ديكارت» بالرباط، كما تحدثوا عن وجود نسبة كبيرة من الطلبة الحاصلين على المنح، خلال نفس السنة، ولجوا مدارس أقل تصنيفا من تلك التي ولجها أبناؤهم.
وبعد استنفاد كل المحاولات، وأمام صمت رئيس الحكومة، لجأ الآباء المتضررون إلى القضاء، حيث أصدرت المحكمة الإدارية بالرباط حكما يحمل رقم 915 في ملف رقم 395/7112/2014، يقضي بإجراء خبرة عهد القيام بها إلى خبير محلف وحددت مهامه في استدعاء الأطراف المعنية بالدعوى القضائية، ويتعلق الأمر بآباء وأولياء الطلبة من جهة ووزارة التربية الوطنية والوكيل القضائي للمملكة من جهة ثانية، مع تحديد قيمة المنحة المستحقة عن سنوات الدراسة، وتحديد التعويض المستحق عن الأضرار الناتجة عن رفض تخويل المنحة إن وجدت.
هذا كل ما وقع في ملف منحة نجل رئيس الحكومة، وهذا ما نشرناه حول هذه القضية، فهل نستحق أن ننعت من طرف موقع الحزب الحاكم بالكذب والبهتان، وأن نشتم ونسب من طرف الانكشارية الإلكترونية التي تتقاضى أتعابها بالقطعة ؟
تكلم يا رئيس الحكومة، تكلم يا وزير التعليم العالي، قولوا شيئا لآباء وأولياء هؤلاء التلاميذ الذين حرم أبناؤهم مما استفاد منه أبناؤكم.
لا تبقوا صامتين فالصامت عن الحق شيطان أخرس.