الشاب بيلو…
زينب بنموسى
«دولة مدنية لا عسكرية»، «سترحلون جميعكم»، «لا للخامسة»، «الشعب لا يريد بوتفليقة… والسعيد» إلى غيرها من الشعارات القوية التي أطلقها الجزائريون خلال حراكهم منذ سنتين، والتي تعكس وعي من كتبها وتوضح أهدافه ومطالبه، شعارات صفق لها الشعب الجزائري، وتضامنت معها ومع أصحابها شعوب المناطق المجاورة، لكنها لم تصمد طويلا، إذ اختفت بالتزامن مع الإخفاء القسري لأصحابها في سجون النظام الجزائري.
عشرات المعتقلين منهم طلبة جامعيون، سياسيون وناشطون وصحفيون لا زال نظام العسكر يصدر في كل مناسبة عفوه عن المئات منهم ويحتفظ بآلاف غيرهم في السجن(تخيل عدد المعتقلين إذن!!). لكن لا أحد منهم، رغم مجهوداتهم الجبارة وتضحياتهم الجسيمة والشعارات التي أبدعوها، استطاع أن يصف الوضع في الجزائر بجملة بسيطة بليغة سهلة ممتنعة تتكون من ثلاث كلمات لا غير كما فعل «الشاب بيلو» المعتقل حاليا على خلفية الأغنية التي تضمنت هذه الجملة: «حشاها ليا تبون».
فمنذ زمان، كانت الوظيفة التي يمارسها الفن خلال أي ثورة أو حراك مهمة بقدر أهمية وظيفة منسقيه والمشاركين فيه، خصوصا في لحظات الجذر الثوري التي يحتاج فيها الثوريون إلى الدعم المعنوي والثبات الفكري. وفي كل الأزمنة كانت الأغاني الثورية المنتقدة للأنظمة التي تصدح بها حناجر المحتجين تؤدي نفس دور بندقية الشرطي أو ربما تتجاوزه: الشيخ إمام، أحمد فؤاد نجم، خربوشة وغيرهم كثيرون لا زالت أعمالهم شاهدة على ثوريتهم. حتى الجزائر نفسها التي كانت تعتبر إلى وقت قريب من أقل البلدان اعتقالا للناس بسبب آرائهم (ماشي حيت كاينة الحرية، ولكن حيت ما كاينينش الآراء من غير آراء العسكر) سبق أن تعرض فيها مغني الراي القبايلي معطوب الوناس للاغتيال ب 78 رصاصة، ورغم أن الرواية الرسمية تحمل المسؤولية لجماعة إسلامية متشددة، إلا أن ذويه لا زالوا يطرحون السؤال لحد الآن حول المجرم الحقيقي الذي دبر لاغتياله بسبب آرائه السياسية، الشاب حسني نفسه تم اغتياله من طرف الإرهابيين لإخراس صوت كان يغني للحب والأمل.
صحيح أن الكلمات تختلف، وأن «الكلاس» الذي كان موجودا في الأغاني الثورية سابقا لا وجود له في أغنية الشاب بيلو، ولكن را حتى الأنظمة تختلف، وعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم فهل من كان ينتقد نظاما يظل على علاته محترما نوعا ما مثل نظام السادات، أو نظام مبارك هو من يثور ضد نظام تبون؟ اش غا يكتب على تبون؟ الشِّعر.. والمُتلقي أيضا يختلف. واش غتجيب الشيخ إمام يغني على الفريق شنقريحة «شيد قصورك ع المزارع»، أي قصور أو مزارع يمتلكها نظام العسكر كي يحس الشعب بهذه الكلمات، لكن بالمقابل الشعب فعلا يحس أن تبون «حشاهاليهم»، وأن العسكر لا يهتم بهم نهائيا، ويستغلهم فقط لخدمة مصالحه الخاصة، وأن في الوقت الذي تهتم فيه باقي الأنظمة بشعوبها، وتصارع على عدة جبهات من أجل الحصول على لقاح كورونا وتوفيره مجانا للمواطنين، يهتم النظام الحاكم في الجزائر بجاره المغربي وقضية وحدته الوطنية، بدل أن يوفر لمواطنيه غير المواد الغذائية والمازوط.
الشعب لم يعد مهتما بأغان حماسية تحمل كلمات فصحى جميلة ورنانة، ولا شعارات منمقة مليئة بالمجاز، لكنه أصبح يفضل من يستطيع التعبير عن أفكاره بلغة صريحة وقحة، ويعتبر من يمتلك شجاعة التعبير بلغة الشارع زعيما سياسيا أكثر من الأكاديميين وخريجي الجامعات، والدليل نسبة التضامن مع باقي المعتقلين السياسيين في الجزائر مقابل نسبة التضامن مع الشاب بيلو الزعيم السياسي الجديد الذي اختزل الوضع في جملة واحدة: حشاها ليهوم تبون.