شوف تشوف

الرأيالرئيسية

السيد عَلِي حَسَنْ سَلُّوكَة

أيام قليلة تفصلنا عن رفض التلميذ المغربي لمفهوم الإرادة والتمثل عند شوبنهاور، واختلافه مع تكوين العقل العلمي لباشلار واعتراضه على نظرية العقل التواصلي لهابرماس.. نعم، يا سادة، إنه طالب الباكالوريا المغربي الذي يتحفنا بأجوبته العبقرية أثناء اجتيازه للامتحان الوطني. لا ننكر أننا ننتظر على أحر من الجمر التصريحات الطريفة والبهلوانية لتلامذة الباكالوريا لمختلف المنابر الإعلامية التي أصبحت ترابط أمام أبواب الثانويات، إلى جانب الآباء والأمهات، بغية اصطياد تعليقات مضحكة قد يحالفها الحظ وتصبح «تراند» على مواقع التواصل الاجتماعي.

مقالات ذات صلة

من بين التصريحات الطريفة التي علقت بالأذهان احتجاج أحد الطلاب على الأسئلة الكثيرة في مادة الفيزياء، مبررا ذلك بأن «القبر فيه تلاتة د الأسئلة»، ليعترض آخر على صعوبة حل إحدى المعادلات الرياضية التي شملت حساب عدد الدجاجات، قائلا إنه ليس «طيابة فالعراسات». تفاعل قد يبدو طريفا مع مجريات الامتحان المصيري، لكنه يمثل التحولات البنيوية العميقة التي طرأت على المجتمع المغربي في مجالات التربية والتعليم. فلماذا أصبح طلبة الباكالوريا محط سخرية الجميع؟ وما التغيرات التي طرأت على سلوك «جيل زد» مقارنة مع الأجيال السابقة التي كانت أكثر رصانة وتحفظا؟

من الملاحظ أن الأنماط السلوكية للمغاربة شهدت تطورا وتغيرا مهما باختلاف الأزمنة والمحطات التاريخية. وهو أمر طبيعي بل محمود، لكن يظل السؤال الملح حول طبيعة هذا التغيير. من غير المنصف أن نصدر أحكاما جاهزة على السلوكيات المعاصرة للإنسان المغربي ونصفها بالقبح أو التدهور أو الانحطاط، لكن هذا لا يمنع من وضع الحالة المغربية تحت المجهر من حين لآخر حتى نستطيع رصد الاختلالات النفسية والاجتماعية التي تنتج لنا، مثلا، طالبا يبرر فشله الدراسي بمنعه من ممارسة الغش.

يجوز لنا القول إن امتحانات الباكالوريا وما يصاحبها من توتر وترقب واحتجاج وضحك وبكاء تشكل مقطعا عرضيا للمجتمع المغربي نستطيع من خلاله رصد الفروقات الطبقية واختلاف جودة التعليم بين المدرسة العمومية والمدارس الخاصة أو البعثات الأجنبية. ونستطيع، أيضا، تحديد نوعية القيم والأخلاقيات التي أصبحت تتبناها مختلف الشرائح الاجتماعية. فإلى جانب تصريحات ولاد الشعب من الطبقات الفقيرة والأقل من المتوسطة، الذين يتحدثون لغة دارجة «حرشة» ويعبرون بتلقائية عن السلوكيات السيئة لقطاع لا بأس به من هذه الشريحة الاجتماعية، كالتهاون وعدم الانضباط والتطبيع مع الغش، بل واعتباره حقا من حقوق التلميذ المغربي..، نجد، في المقابل، عالما مخمليا من أبناء الطبقة البورجوازية الفرنكوفونية المقيمة بالمغرب ممن يدلون بتصريحات لطيفة تعكس وجها مختلفا لمغاربة من نوع آخر.

تتميز تفاعلات أبناء «الميسيون» مع أسئلة الصحافة بالإيجابية والتفاؤل ولباقة ملحوظة في الحديث. يجد معظم الطلبة المرفهين صعوبة في التواصل والتعبير بالدارجة أو اللغة العربية. الأمر الذي يجعل باقي المغاربة ينظرون إليهم بنوع من الريبة والامتعاض. يأمل تلاميذ الطبقة الكريمية الحصول على معدلات مرتفعة بغية الالتحاق بالمدارس الأوروبية العليا أو الجامعات الأمريكية والكندية المرموقة، إضافة إلى حماسهم وترقبهم للهدايا الفاخرة من طرف ذويهم احتفاء بنجاحهم، والتي تتراوح بين سيارات فارهة ورحلات صيفية في الجنوب الفرنسي.

نلاحظ أن طلبة الباكالوريا المخملية نادرا ما يحتجون على صعوبة الامتحان، أو يعترضون على عدد الأسئلة أو نوع الدجاجات إضافة إلى غياب تام لثقافة التطبيع مع الغش. تنعدم، كذلك، مظاهر الصراخ والعويل والبكاء الهيستيري أمام أبواب المؤسسات التعليمية للبعثات الأجنبية. نلاحظ، أيضا، اختلافا كبيرا في هندام وتسريحات شعر الطلبة الأثرياء..، إذ لا وجود لموضة حلاقة التمساح بين صفوف الشباب المرفه أو أحذية الكوبرا الصينية.

انتشر، أخيرا، مقطع طريف لطالب مصري عجز عن قراءة جملة بسيطة، معتقدا أنها عبارة تدل على اسم علم. حيث قال: نشكر الطالب عٓلِي حٓسٓنْ سٓلٌّوكٓة، في الوقت الذي تقول فيه العبارة الصحيحة: «نشكر الطالب على حُسْنِ سُلُوكِه». الأمر الذي أثار موجة سخرية كبيرة بين رواد مواقع التواصل الاجتماعية، حيث تباينت الآراء حول المستوى المتدني الذي وصل إليه الطلاب المصريون بسبب تدهور قطاع التربية والتعليم.

تجدر الإشارة إلى أن هذا الفيديو كان عبارة عن مقطع كوميدي مستلهم من أحد مشاهد الفيلم المصري الشهير «البداية»، الذي يعتبر من أكثر الأعمال السينمائية الفلسفية التي ناقشت مفهوم الدولة والسلطوية ونشأة الأنظمة الديموقراطية وتحديات البيروقراطية وميل الحشود إلى السياسات الفاشية وسهولة السيطرة عليها واقتيادها إلى صناديق الاقتراع. وهي مناسبة أدعو فيها القارئ إلى مشاهدة هذا العمل القيم الذي تناول كل تلك المواضيع الحساسة في قالب كوميدي شيق.

فهل تصريحات أبناء الطبقات الفقيرة من طلبة الباكالوريا هي «بداية» الانهيار الفعلي لمنظومة التربية والتعليم في بلادنا؟ وهل سقط هذا القطاع الحيوي، الذي يعد عماد نهضة المجتمعات وتقدمها، في أياد غير أمينة على مستقبل أبنائنا؟ ولماذا هذه الحرب غير المعلنة على المدرسة العمومية؟ ولصالح من استمرار هذا التفاوت التعليمي الصارخ بين أبناء الوطن الواحد. وهل نحن بحاجة إلى عدالة تعليمية وتربوية بين المغاربة؟ وهل كان عبد الله كنون مخطئا حين آمن بالنبوغ المغربي؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى