شوف تشوف

الرأيالرئيسية

السياسة لا تبني القناطر

خروج «خوسيه مانويل ألباريس»، وزير الخارجية الإسباني، أول أمس، ليقول إنه يتعين على بلاده الحفاظ على «أفضل العلاقات» مع المغرب، لا يمكن إلا أن يُستقبل بارتياح.

وزير الخارجية الإسباني قال، أيضا، إن إسبانيا تتقاسم مع المغرب تحديات شتى، وأن العلاقات بين البلدين ينبغي أن تكون من أجل المنفعة المتبادلة.

هناك اليوم أزيد من 6000 شركة إسبانية تصدر منتجات بقيمة 12 مليار أورو إلى المغرب، و1200 شركة إسبانية أحدثت في المغرب بشكل مباشر، أو فتحت فرعا لها عندنا.

وبعيدا عن المال، فإن التنسيق الأمني بين البلدين أدى إلى إفشال تهديدات إرهابية كان مخططا أن تضرب إسبانيا ومدنا أوروبية أخرى. ولولا اليقظة وقيمة المعلومة الأمنية المغربية لتكبدت الأجهزة الأمنية في إسبانيا خسائر أكثر فداحة.

المتطرفون في أوروبا يُعلقون الإرهاب على المغرب، ناسين أن كل الذين نفذوا عمليات إرهابية في أوروبا، خصوصا فرنسا وإسبانيا خلال العقد الأخير، هم نتاج خالص للمجتمع الأوروبي وليس المغربي. وأن المنفذين تم تأطيرهم في أوروبا وليس في المغرب، ولم ينسقوا مع أي جهة متطرفة خارج أوروبا. بل حملوا أفكارا وجدت البيئة المناسبة لتنتشر في شوارع أوروبا وليس في المغرب، وبناء على أحقاد اجتماعية وطبقية، هي نتيجة الممارسات العنصرية التي يقودها اليمين المتطرف في هذه الدول، وليس في المغرب.

علاقة جل الذين نفذوا عمليات إرهابية، مع بلدهم الأصلي، لا تتجاوز قضاء العطل الصيفية بين الفينة والأخرى مع العائلة، وأغلبهم قطعوا كل صلة جغرافية لهم مع المغرب قبل أن يتم استقطابهم في أوروبا وتجنيدهم.

كبريات المؤسسات الأمنية في أوروبا اعترفت بقيمة المعلومات الأمنية التي حصلت عليها من المغرب لتفكيك الشبكات الإرهابية، وليس إسبانيا فقط.

خروج وزير الخارجية الإسباني في قناة تلفزية إسبانية يتابعها الإسبان جميعا، لتصحيح «سوء الفهم» الذي تسببت فيه وزيرة في الحكومة الإسبانية، «يولاندا دياز» والمرشحة حاليا لسباق انتخابات الرئاسة، يمكن اعتباره تصحيحا رسميا لتطاول وزيرة في الحكومة على العلاقات الرسمية لبلادها مع المغرب.

إذ إن إعلان الاتفاق الأخير بين البلدين والذي يعود إلى أبريل 2022، كان واضحا بشأن عدم التدخل في الشؤون الداخلية والامتناع عن الأعمال الأحادية. إلا أن وزيرة العمل الحالية، والتي، بالمناسبة، لديها مشاكل مع تمثيليات العمال وتنتظرها تحديات كبرى بشأن مراجعة الأوضاع الاجتماعية للعاملين في القطاعين الخاص والعام، بعد تداعيات جائحة كورونا، تركت كل هذه الملفات جانبا، وصرحت برأيها الخاص -الذي يلزمها وحدها- بشأن المغرب، ونست أنها وزيرة في الحكومة الإسبانية، وبالتالي فإنها ملزمة باحترام اتفاق السابع من أبريل 2022، بل ومرشحة لمنصب رئيس الوزراء.

هذا التمرين الذي خاضته الوزيرة الإسبانية لا بد أن تستخلص منه دروسا، خصوصا أنها معروفة بانتصارها لقيم اليسار الإسباني، واليسار دائما تعوّد على استعمال سياسة «الأمواج المتقلبة» سواء كان داخل الحكومة أو خارجها، بعكس اليمين المتطرف الذي ينهج دائما بناء برنامجه الانتخابي، كيف ما كانت النتائج، بدغدغة مشاعر الأوروبيين والتلويح بضرورة طرد المهاجرين ووضع قيود جديدة على قوانين الهجرة بما فيها التأشيرات السياحية. وفي النهاية، حتى لو فاز اليمين في الانتخابات، تجد حكومته نفسها أمام تحديات الشارع التي لا يُمكن أن تُغطى بغربال استهداف المهاجرين وقوانين منح الجنسية للأجانب.

لغة الأرقام، التي تحدث بها وزير الخارجية الإسباني في حواره الأخير مع القناة الإسبانية «24 آورا»، والبعيدة تماما عن لغة الخشب التي يُتقنها جل الساسة، تكشف بالواضح أن مستقبل علاقات المغرب وإسبانيا لم يعد فيه أي مجال للسياسة، وأنها ستأخذ منحى اقتصاديا ليس ببعيد أن يبني قنطرة برية على طول مضيق جبل طارق البحري، وقد يتم الاحتفاء به في مونديال 2030 الذي وُضع ترشيح مشترك لتنظيمه، بين البلدين بالإضافة إلى البرتغال.

يونس جنوحي 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى