السكوت يحبطنا
الخبر الرئيسي في نشرة «فلسطين اليوم» الصادر أخيرا كان تحت العنوان التالي: حماس ترفض أي مشروع على حساب الأراضي المصرية. تحريت تفاصيل الخبر فوجدت الكلام منسوبا إلى السيد إسماعيل هنية نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، وقد صرح به أثناء اجتماع عقده مع قيادة القوى والفصائل الوطنية الإسلامية بالقطاع، بحضور اثنين من أعضاء وفد حماس الذي زار القاهرة مرتين خلال الأسابيع الأخيرة. تحدث السيد هنية بإيجابية عن العلاقة مع مصر، قائلا إن الحركة متمسكة بمبدأ عدم التدخل في الشأن المصري، وحريصة على «عدم السماح لأحد أن ينطلق من القطاع للإضرار بمصر أو أن يستخدم غزة للإضرار بها» وفي ثنايا الكلام أكد نائب رئيس المكتب السياسي رفض أي مشروع يمكن أن يطرح على حساب الأراضي المصرية وتحديدا في سيناء.
لم أجد أي تفصيلات تلقي مزيدا من الضوء على الجملة الأخيرة، التي تركت غامضة بحيث تحتمل عدة تأويلات. وهو ما أثار انتباهي، لأن الموضوع أكبر من أن يطرح في تصريح مقتضب وعابر.
حين دفعني الفضول إلى محاولة تحري الأمر، وقعت على تقرير يتحدث عن الموضوع بثه موقع «الخليج أون لاين» يوم 6 أبريل ولاحظت أنه نسب إلى مسؤول فلسطيني وعضو في اللجنة المركزية لحركة «فتح» (وليس حماس) قوله إن «عرضا قدم للسلطة الفلسطينية أخيرا لإقامة دولتهم في شبه جزيرة سيناء، كجزء من الحل النهائي مع الجانب الإسرائيلي». وذكر مسؤول «فتح» الذي طلب عدم ذكر اسمه أن عروضا عربية ودولية تبنت الفكرة لإنهاء الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي، بينها مخطط لإقامة الدولة الفلسطينية في شبه جزيرة سيناء، أضاف الرجل أن المقترح تم طرحه في العام 2014، وكانت السلطة الفلسطينية على علم به وكذلك الإدارة الأمريكية وكذلك الرئيس عبد الفتاح السيسي، لكن تم تجميده آنذاك بسبب الدخول في جولة جديدة من المفاوضات السرية مع الجانب الإسرائيلي لتحريك الملف، إضافة إلى بعض العقبات السياسية التي نشأت في أفق علاقات السلطة مع الإسرائيليين. ذكر عضو مركزية فتح أيضا أن السلطة الفلسطينية بعد اطلاعها على مجريات الخطة ونقلها إلى بعض الدول العربية التي رفضتها بشدة، فضلت عدم تحريكها في الوقت الراهن وإبقائها مجمدة.
استوقفني في التقرير المنشور أيضا إشارته إلى أن أحد الضباط السابقين في الاستخبارات ـ اسمه ماتي ديفيد ـ ذكر أن الرئيس عبد الفتاح السيسي ناقش الموضوع مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس. وطبقا لما أورده الضابط المذكور في مقال نشره على موقع «نيوز وان الإخباري» فإن حل الدولتين آخذ في التراجع رويدا رويدا، وأن فكرة البديل السيناوي أصبحت مطروحة في أروقة الأطراف المهتمة بالصراع. من إدارة الرئيس أوباما أو اللجنة الرباعية وصولا إلى الإسرائيليين والفلسطينيين أنفسهم.
تحدث الكاتب في المقال ذاته عن خطة أخرى للجنرال غيورا آيلند، الرئيس السابق لمجلس الأمن القومي الإسرائيلي الرئيس السابق لقسم التخطيط في الجيش، وهو أحد أصحاب العقول الاستراتيجية في الدولة العبرية، تقضى باعتبارها بديلا عن حل الدولتين.
خطة «آيلند» ـ التي نشرها مركز بيجين/ السادات للدراسات الاستراتيجية بجامعة بار إيلان ـ تقضى بإجراء تبادل أراض بين عدة أطراف منخرطة في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، بحيث تقوم مصر بنقل ما مساحته 720 كيلومترا مربعا من أراضى سيناء إلى الفلسطينيين، بما فيها 24 كيلومترا مربعا على طول ساحل البحر المتوسط، وهو ما سيضاعف مساحة قطاع غزة إلى ثلاثة أضعاف، وهذه المساحة تساوى 12 في المائة من مساحة الضفة الغربية.
أرجح أن تكون كل تلك القصص من قبيل الشائعات السياسية أو الأفكار القديمة التي يروجها البعض لتحقيق أهداف معينة. وأكثر ما أثار انتباهي فيها أنه تم الزج باسم الرئيس السيسي في سياقها. والترجيح الذي أزعمه ليس مبنيا على معلومات، لكنه يستند إلى مجرد استنتاجات وتقديرات صادرة عن طرف ليس مطلعا على ما يجرى وراء الكواليس. وأحسب أن الشك يمكن أن يقطع باليقين إذا صدر عن القاهرة تصريح يحسم الأمر، فيوضح أو يصوب أو ينفي. وما لم يحدث ذلك فسنظل نعتمد على الترجيحات التي تعتمد على حسن الظن أو سوئه، وهذه قد تصيب وقد تخيب وسوف نتخلص من البلبلة تماما لو أننا تلقينا بيانا يوضح ما التبس علينا في الموضوع، وما لم يحدث ذلك فقد نعذر إذا استسلمنا للاكتئاب والإحباط خشية أن يكون الصمت من علامات الموافقة والرضى.