«السترات الصفراء» تثور على الصحافة وتطالب ماكرون بالاستقالة
سهيلة التاور
ازداد التوتر والغضب إثر الاحتجاجات الحادية عشرة على التوالي في فرنسا لممثلي السترات الصفراء. إلا أن الصدامات لم تقتصر، هذه المرة، على المواجهة مع رجال الشرطة الذين، من وجهة نظر المحتجين، يضيقون عليهم مجال حرية الرأي والاحتجاج، بل تعدت ذلك إلى اعتداءات ضد الإعلاميين والصحافيين من خلال الاعتداء اللفظي وحجز الكاميرات.
لا يزال الفرنسيون يحملون أفكارا سلبية عن الصحافة بكونها تتكلم بلسان السلطة، حيث إن احتجاجات أصحاب السترات الصفراء شملت اعتداءات خطيرة على الصحافيين والإعلاميين.
وشهد السبت الحادي عشر من المظاهرات انخفاضا طفيفا لعدد المشاركين، حيث تظاهر نحو69 ألف شخص في الشوارع، بحسب أرقام وزارة الداخلية الفرنسية، وهي الأرقام التي يطعن فيها باستمرار محتجو السترات الصفراء، بعد عشرة أيام من إطلاق «الإليزي» «الحوار الوطني الكبير»، بغرض احتواء هذه الأزمة الاجتماعية غير المسبوقة. ويطالب فرنسيون من الطبقتين الفقيرة والوسطى، بالأساس، بإعادة النظر في السياسات المالية والاجتماعية للحكومة التي يعتبرونها ظالمة، مع العمل على تحسين القدرة الشرائية بالبلاد. إلا أن المتظاهرين رفعوا سقف مطالبهم، أخيرا، وهتفوا مطالبين بإقالة الرئيس الذي حملوه مسؤولية التوتر الذي ساد البلاد.
اعتداءات على الصحافة
بعد أن تم تأسيس الصحافة بشكل رسمي في فرنسا عام 1631، قرر ملك فرنسا حينها إنشاء أول دورية فرنسية كانت تصدر أسبوعيا وكانت بمثابة لسان القصر، وذلك قبل أن تتحول في عام 1762 إلى لسان حكومة الملك بشكل رسمي وتحولت الصحافة الفرنسية إلى صحافة مرتبطة بالسلطة. لذلك، تواجه الصحافة الفرنسية بانتظام التهم نفسها التي لم تتوقف عندما أصبحت المهنة في نهاية القرن التاسع عشر أكثر احتراما. بل إنه حتى في القرن العشرين لم تتم مراجعة تلك الأحكام، وبقيت الصحافة موسومة بتجربة الماضي الطويلة.
وفي هذا الصدد، نقل أصحاب السترات الصفراء مواجهاتهم مع الشرطة إلى الصحفيين، الذين يجوبون شوارع العاصمة باريس من أجل تغطية الاحتجاجات التي تشهدها البلاد، للسبت الرابع على التوالي.
وعنف بعض المتظاهرين عددا من الصحفيين، بعدما استولوا على كاميراتهم وأجهزة التسجيل الخاصة بهم ومنعوهم من إكمال عملهم. وكشفت «لو فيغارو» أن فريقها الصحفي والتقني تعرض للتعنيف في شارع «الشانزليزي»، مضيفة أن فريقها سمع أحد المتظاهرين يقول إن على الصحافة أن تغادر المنطقة وأن يبقى الفرنسيون فقط في الشارع. فيما شهد شارع «سوسيي ليروي» احتجاز كاميرات ثلاثين صحفيا، ما أدى إلى نشوب مواجهات مع أصحاب السترات الصفراء، قبل أن تتدخل الشرطة لحل الخلاف.
وارتفعت حدة احتجاجات السترات الصفراء، حيث شهدت باريس صدامات بين أنصار الحركة وقوات الأمن الفرنسية، الأمر الذي دفع السلطات إلى نشر مدرعات. في حين أعلن نائب وزير الداخلية الفرنسي، لوران نونيز، أن نحو 69 ألف شخص شاركوا في تظاهرات الحركة في أنحاء فرنسا، مشيرا إلى ارتفاع عدد الموقوفين إلى 700.
جدل قاذف الكرات الدفاعية «LBD»
رغم الجدل حول استخدام قاذف الكرات الدفاعية «LBD»، لجأت الشرطة الفرنسية إلى هذا النوع من الأسلحة الفتاكة لتفرقة المتظاهرين، الشيء الذي تسبب في عدد كبير من المصابين على مستوى العين. وأعلن وزير الداخلية كريستوف كاستنير أن عدد الذين تعرضوا لإصابات خطيرة في العين لا يفوق أربعة أشخاص من أصل 101 وفق تحقيقات قامت بها مديرية الشرطة. إلا أن ممثلي السترات الصفراء صرحوا بأن 17 شخصا ممن تعرضوا للإصابة فقدوا إحدى أعينهم منذ بداية الاحتجاجات، من بينهم الناشط البارز جيروم رودريجيز. ما دفع نقابة الاتحاد العام للعمل ورابطة حقوق الإنسان إلى رفع دعوى قضائية من أجل وقف استخدام قاذف الكرات الدفاعية. ولتهدئة الوضع أعلن الوزير أنّ رجال الشرطة الذين يستخدمون هذه الأسلحة سيكونون مجهزين بكاميرات متنقلة.
وبحسب الإدارة الفرنسية، فهذا القاذف يستخدم لتهديد شخص من دون إلحاق الضرر بجسده، إلا أن المعارضين لاستخدامه يشددون على أنه قد يتسبب في آثار خطيرة قد تصل إلى الموت، بعد أن أثار القاذف الجدل مطلع تسعينيات القرن الماضي، حيث كان استعماله آنذاك مقتصرا على القوات الخاصة، وتم تشريع استخدامه تدريجيا، وعلى مدار الأزمات بات يستخدم تحت غطاء حفظ الأمن في فرنسا. وهو ممنوع في معظم دول الشمال على غرار بريطانيا، الدنمارك، السويد، فنلندا والنرويج. ومجاز في فرنسا وبولندا واليونان وإسبانيا.
حصيلة الإصابات
في الأسبوع الحادي عشر من الاحتجاجات التي أدت إلى مواجهات بين الشرطة وآلاف المحتجين من «السترات الصفراء»، رفع المحتجون لافتات تنتقد الرئيس إيمانويل ماكرون وتصفه بـ«الملك المطلق» في باريس ومدن أخرى. وخيم التوتر على المظاهرات، واستخدمت قوات الأمن خراطيم المياه والغاز المسيل للدموع لتفريق المتظاهرين ومنع آخرين من الخروج عن المسار المحدد.
فمنذ انطلاق مظاهرات «السترات الصفراء» في نونبر الماضي احتجاجا على «السياسة الإصلاحية» لحكومة ماكرون وتدني القوة الشرائية، أصيب أكثر من 1500 متظاهر، إصابات 53 منهم خطيرة، ونحو 1100 من عناصر قوات الأمن. فيما قتل عشرة أشخاص معظمهم في حوادث سير وقعت نتيجة قطع الطرق. وتم التصريح من قبل ممثلي السترات الصفراء بأن 17 شخصا ممن أصيبوا تعرضوا لفقدان إحدى أعينهم خلال الصدامات مع الشرطة التي كانت تستخدم السلاح الفتاك قاذف الكرات الدفاعي « «LBD.
الحوار الوطني الكبير
في تدخل حكومي لمواجهة هذه الحركة الاحتجاجية الأولى من نوعها، أعلن ماكرون عن الحوار الوطني الكبير، الذي يجري عبر مختلف المحافظات والبلديات إلى غاية منتصف مارس على أمل حل أزمة «السترات الصفراء» المستمرة منذ نحو شهرين. ويتضمن هذا الحوار ملفات أساسية، على رأسها القدرة الشرائية والضرائب والديمقراطية والبيئة، تعكس المطالب الاجتماعية والسياسية والضريبية البارزة التي طرحها الحراك الشعبي.
ودعا ماكرون الفرنسيين إلى المشاركة في هذا الحوار بهدف تبديد غضب المحتجين، بعد نحو شهرين من التظاهرات وقطع الطرقات احتجاجا على سياساته المالية والضريبية، حيث سيكون بإمكان كل مواطن أن يزور البلدية في مدينته ليقدم لها اقتراحاته حول تحسين أداء الحكومة، إضافة إلى إمكانية مشاركة 100 موفد من كل إقليم في مؤتمرات خاصة منظمة لمناقشة البنود المحورية من الأجندة السياسية.
مطالبات باستقالة ماكرون
خلال احتجاجات حركة «السترات الصفراء» الفرنسية التي خلفت صدامات واعتقالات في باريس ومدن أخرى، ترددت مطالب باستقالة الرئيس إيمانويل ماكرون، الذي يواجه منذ شهرين احتجاجات عنيفة ضد سياسات حكومته الاقتصادية، حيث أعلنت وزارة الداخلية الفرنسية أن 84 ألفا شاركوا في المظاهرات بعدة مدن، مقارنة بنحو خمسين ألفا تظاهروا في احتجاجات سابقة. وفي المقابل، نشرت الوزارة ثمانين ألف شرطي في مختلف أنحاء البلاد، بينهم خمسة آلاف في باريس وعربات مصفحة تابعة للدرك تحسبا لأعمال عنف، بعدما قام متظاهرون برشق قوات الأمن بالحجارة، لترد بقنابل الغاز وخراطيم المياه، وفي المساء تدخلت قوات الأمن لإبعاد متظاهرين عن قوس النصر. وأغلقت الشرطة وسط العاصمة خشية اندلاع أعمال عنف جديدة من جانب العناصر المتطرفة في حركة السترات الصفراء، حيث أغلقت الجسور على نهر السين، وأُقيمت حواجز أمنية أمام المباني الرسمية، مثل البرلمان وقصر «الإليزي».
وفي المقابل، اعتقلت الشرطة الفرنسية أكثر من مائة متظاهر خلال مظاهرات باريس التي جاءت قبل ثلاثة أيام من الحوار الوطني الذي دعا إليه الرئيس ماكرون.
وصرحت الشرطة بأن 156 شخصا اعتقلوا في باريس، وشهدت مدينة بورج (وسط فرنسا) تعبئة كبيرة، حيث تظاهر المئات من أصحاب السترات الصفراء رغم قرار السلطات منع التظاهر وسط المدينة.
«الأوشحة الحمراء» ضد «السترات الصفراء»
في أجواء المظاهرات التي لا تتوقف في العاصمة الفرنسية باريس، انطلقت مظاهرة في شكل حركة جديدة تطلق على نفسها «الأوشحة الحمراء». إلا أن هذه الحركة تصرح بأنها ليست موالية للرئيس إيمانويل ماكرون، وتؤكد أن مظاهرتها لا تحمل أي طابع حزبي بل تهدف للمطالبة بعودة دولة القانون ووقف العنف.
وتأتي احتجاجات أصحاب الأوشحة الحمراء ردا على المظاهرات التي تجتاح فرنسا منذ أسابيع وينظمها أصحاب السترات الصفراء. ويؤكد ممثلو هذه الحركة الجديدة أنهم يمثلون الأغلبية الصامتة، ويقولون إن حركتهم تأتي كرد فعل على ما شهدته فرنسا أخيرا من فوضى، مضيفين أنهم لا ينتمون لأي حزب وأن هدفهم وضع حد للعنف الذي تشهده البلاد والمطالبة بعودة الهدوء والنظام العام والدفاع عن مؤسسات الجمهورية والديمقراطية، وإزالة أجواء الكراهية بين الفرنسيين.
انقسامات داخلية
شهدت الاحتجاجات التي تقودها السترات الصفراء انقسامات حول جدوى تقديم مرشحين للانتخابات الأوربية، حيث دعا المحتجون إلى تظاهرات ليلية في عدد من المدن الفرنسية. في حين حركة ستنظم «فرنسا الغاضبة» التي تقودها بريسيلا لودوسكي مسيرة تضامنية مع السترات الصفراء في الأراضي البعيدة، بين مقر وزارة أراضي ما وراء البحار والمقر الباريسي لـ«فيسبوك».
وتظاهر ناشطو «الأوشحة الحمراء» في إطار مسيرة جمهورية دفاعا عن الحريات، من أجل إسماع صوت الأغلبية الصامتة والدفاع عن الديموقراطية والمؤسسات. ومن جانب التيار المتطرف، أطلقت دعوة إلى مسيرة للناشطين المناهضين للرأسمالية وللفاشية في إطار تجمعات ضد قانون العمل. وجاءت هذه الانقسامات مع إعلان أنغريد لوفافاسور وهايك شاهينيان، وهما من المنظمين في «السترات الصفراء»، عن لائحة تجمع مبادرة المواطنة للانتخابات الأوربية التي ستجرى في ماي المقبل.
ارتفاع شعبية ماكرون
بينما تشهد صفوف المتظاهرين انقساما، نجح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في تحقيق بعض المكاسب وارتفعت شعبيته قليلا عن أدنى مستوياتها، بحسب أحدث استطلاعات للرأي منذ إطلاقه نقاشا وطنيا كبيرا، في استجابة لمطالب محتجي السترات الصفراء. بينما تثير الخلافات الداخلية بين قادة محتجي السترات الصفراء انقسامات جديدة بعد القطيعة بين زعيميهما إيريك دروي وبريسيلا لودوسكي.
وأظهر استطلاع «BVA» نُشر يوم الجمعة الماضي، ارتفاع شعبية ماكرون أربع نقاط خلال شهر دجنبر الماضي، بعد خسارته 15 نقطة بين يونيو ونونبر الماضيين، عندما ظهرت السترات الصفراء. وأكد الاستطلاع أن 31 في المائة من المشاركين في الاستطلاع، نظرتهم إيجابية إلى ماكرون، فيما أبدى 69 في المائة رأيا سلبيا.