الزمان كايحنت آسّي بنكيران
انتهت الانتخابات المهنية والله وحده المطلع على الصدور يعلم كيف هو حال قيادات ومرشحي الحزب الحاكم، وبعدما كان بنكيران يصول ويجول بعبارته الشهيرة «إخوتي المغاربة»، وبعدما كان يقول إن حزبه «هدية الله إلى هذا الوطن»، جاءت انتخابات الغرف المهنية لتكشف لنا حقيقة «الخلاخل والخوا من الداخل»، وترجع الأمور إلى حجمها الطبيعي، وبأن وهم الحفاظ على الاستقرار الذي ظل الحزب الحاكم يبتز به الدولة والمجتمع انتهى، وأصدق نصيحة حملتها نتائج الانتخابات لحزب الإخوان هي «عاش من عرف قدره».
فبعد الصعود الصاروخي بمنشطات «الربيع العربي»، اعتقدت قيادات العدالة والتنمية أنها وضعت البلاد والعباد في اليد تماما كالسبحة يحركون حباتها كما يريدون، وبلغت ذروة جنون السلطة أن اعترف بنكيران بكونه رئيس حكومة لمن صوتوا على حزبه، وذهب بعيدا إلى الحد الذي وصف من يشاركون في المهرجانات الخطابية لحزبه بكونهم أناس «جابتهم المحبة ديال الله»، واليوم وبعد أن تبخر مفعول المنشطات، وكشفت لنا الانتخابات المهنية أن «البيجيدي» مخلوق سياسي كباقي المخلوقات، بدأ العمل وسط الطبقات الفقيرة والمهنية وفي المساجد والدور القرآنية، وامتهن تسويق شعارات أكبر من ذراعيه، وبعدما نال السلطة، ارتقى اجتماعيا وقطع الصلة مع الفئات المهمشة والمظلومة، وأصبح حزبا سياسيا «ديال الفايسبوك».
أكثر شيء حملته نتائج الانتخابات المهنية هي أن حزب العدالة والتنمية الذي أصبح مجرد «ديكور» سياسي في مجالس الغرف، لم يلتقط اللحظة ولم يلتزم بأخلاق العمل السياسي، التي تقتضي النقد الذاتي والاعتراف بالهزيمة، كما تفعل جميع الأحزاب في الدول النامية والمتخلفة، لكن الإخوان عندنا كان لديهم رأي آخر، فالقيادي محمد يتيم قال بأنهم سيسرهم الاعتراف بالهزيمة لو جرت الانتخابات مع أحزاب حقيقية ولدت من رحم الشعب، والوزير رباح اشتكى من لوبيات الفساد الانتخابي، أما ميليشيات الحزب في مواقع التواصل الاجتماعي فقللت من أهمية هذه الانتخابات واعتبرتها بلا قيمة سياسية، بالمقارنة مع الانتخابات المحلية والجهوية والبرلمانية، تماما كالـ«المش ملي ما كيوصلش للحم كا يقول خانز».
لكن الغريب هو كيف اصطفت قيادة حزب العدالة والتنمية في مدن كثيرة كالعيون وتارودانت وآسفي وسيدي قاسم، وأصدرت بيانات تندد فيها باستعمال المال وإفساد العملية الانتخابية والحياد السلبي للسلطة، رغم أن جميع هذه المدن تتوفر على مكاتب لوكلاء الملك في محاكم تحت المسؤولية المباشرة لوزير العدل مصطفى الرميد، هم الذين أوكل إليهم القانون التحقيق وإيقاف المتهمين وتقديمهم إلى العدالة، لكن يبدو أن الإخوان عندنا يعرفون فقط مكاتب النيابة العامة من أجل إعدام حرية الصحافة ووضع شكايات ضد يومية «الأخبار»، أما حينما يتعلق الأمر برموز الفساد الانتخابي واستعمال المال لشراء الأصوات، فيكتفون ببيانات حزبية جبانة ومبنية للمجهول، يعلقون عليها فشلهم على طريقة «قلب شقلب».
مع أن «القلبة الخايبة حتى في التعاويد» هي تلك التي تعرضت لها شعبية وقوة الحزب الحاكم، وانهيار أسطورته ووهمه بالسيطرة على الوضع وتحكمه في الشارع وضمه للرأي العام، وإذا استطاع بنكيران وصحبه ملء المشهد السياسي لسنوات بدون إنجازات وبأدوات شفوية وبتقية دينية وبتقلب في المواقع والمواقف لم يستطع أحد مجاراتهم فيها، فقد نسوا بالمقابل ركنا أساسيا في معادلة البقاء حيا في السلطة وهو «الزمان اللي كايحنت ماشي الشعب».