الريسوني: امرأة قتل اللصوص زوجها وابنها كانت وراء تغيير حياتي لأصبح مُحاربا
يونس جنوحي
«خلال النهار كنت أفسر لهم الشرع وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم وأعطيهم الحلول لمشاكلهم. وفي الليل كنت أتمشى إلى الجبل وأتأمل النجوم. هل سبق لكِ أن فكرتِ كيف أن النجوم تلعب دورا في حياتنا؟ وكيف أن الرسول صلى الله عليه وسلم، قضى ليالي في الصحارى لكي يتواصل روحيا معها؟ وكيف أن المسيح، روح الله، وكيف أن نبي الله داوود، أب النبي سليمان، درس النجوم وهو يرعى قطعان الماشية؟
في تلك الليالي كتبت بيوت الشعر، لكن لا قصيدة منها كانت تستحق أن تبقى في الذاكرة.
تخليتُ عن معظم ثروتي. فقد بدا لي أن طلب العلم وجمع القطع المالية الفضية لا يجتمعان ولا يمكن أن يجعلا الحياة هنيئة معا. سمع الناس عن هذا الأمر، وأدركوا أنني أتوفر على «البركة»، وكانوا يأتون إلي طلبا للمشورة والنصح، ويحضرون معهم كل ما آمرهم به.
كانت حياتي هنيئة إلى أن جاءت امرأة فجأة في إحدى الليالي، مع ميقات صلاة العشاء، إلى قرية «زينات».
كانت ملابسها ممزقة ويداها ملطختين بالدماء. كان عليها أن تتمشى لساعات في الحر، وكان الغضب باديا في عينيها. وقالت إن قطاع الطرق قتلوا زوجها وابنها وأخذوا منها كل ما تملكه.
أخذتها نساء القرية ووفرن لها ما تحتاجه لترتاح. فقد كان من واجبهن إكرام ضيافتها. لكن المرأة كانت بدوية من الجبل، ولم ترد أن ترتاح وطلبت فقط أن تحصل على سلاح، لكي تعود أدراجها إلى حيث قُتل زوجها وابنها وتأخذ ثأرها بيدها. وقالت قبل أن تذهب:
-هل يوجد رجل هنا يريد أن يذهب معي؟
أحسستُ بهزة أسفل قدميّ ورأيتُ أمي تنظر إليّ..
كان هناك شباب كثر في القرية، والحياة كانت قاسية جدا، فقد كان موسم جفاف. أركبنا المرأة فوق حصان، وذهبنا معها جميعا في تلك الليلة نخترق الظلام. أخذتنا إلى منزلها الخالي، قرب جبل «دونات»، ومن هناك بدأنا نقتفي آثار اللصوص خطوة بخطوة. كان هناك أناس كثيرون رأوهم يمرون، لكنهم كانوا خائفين من اعتراضهم لأن قائدهم كان شديد القوة. لذلك كانوا يتقدمون ببطء.
استطعنا اللحاق بهم، على مقربة من الوادي، حيث كانوا يستحمون ويريحون أقدامهم في مجرى النهر. كانت أرضا موحشة، إذ كان طول أشجار الدفلى يفوق طول الإنسان. حاولنا الاحتماء بالأشجار الكثيفة لكي لا يروننا، لكن المرأة أخذت بندقية من بين يدي أحد الشبان وأطلقت النار.
دارت معركة غطى فيها صوت طلقات البنادق على صيحاتنا. كان الأمر شبيها بمطاردة، ولم يستطع اللصوص الهرب بين الصخور. قتلناهم جميعا ولم نترك منهم أحدا. أخذنا خيولهم والأمتعة التي سرقوها من المرأة. قامت بقطع رأس اللص الذي قتل زوجها وابنها، لكي تتدمر روحه، وحتى يكون جسمه غير مُكتمل إن دخل الجنة.
إنها مشيئة الله. حياة الريسوني حسمتها امرأة لأنه، منذ ذلك اليوم، ساءت علاقتي بكتبي ولم تعد لدي رغبة في امتلاك سقف فوق رأسي، وتذكرت نبوءة قديمة قيلت عن بني مسرار، قبيلة والدتي: (لقد وُلدوا فوق سرج الخيل، والبنادق في أيديهم). تحدثتُ مع الشبان الذين كانوا يعرفونني وشكلنا «عصابة»، وذهبنا لكي نعيش في أعالي التلال حتى لا ينجح أحد في مهاجمتنا. جاء إلينا كثيرون طلبا للمساعدة لكننا كنا فقراء. كانت الصخور قلاعا لنا والأشجار خيامنا. في بعض الأحيان لم يكن لدينا من طعام سوى حليب الماعز. لكنني كنت قويا جدا. كنت قادرا على العيش لأيام بدون طعام، وأروض حصانا جامعا ومتوحشا، وأجعله مُطيعا بيديّ فقط».
منذ تلك الفترة، انتشرت حكايات مثيرة عن جرأة الريسوني ومكره. كانت تتوفر فيه كل المعايير التي كان يحلم بها أبناء جنسه من الخارجين عن القانون والمحبين للمغامرة. كانت بنيته الجسمانية تشبه لياقة هرقل عظيم الروم. كما أن إيمانه الكبير بالأقدار جعله لا يخاف أبدا. كما ينضاف إلى كل هذا، أنه كان ينتمي إلى عائلة عريقة من الشرفاء، بالإضافة إلى مستواه العلمي وبلاغته في الكلام. كل هذه الأمور كانت لصالحه. كان أيضا يتوفر على مهارات في التصويب وركوب الخيل. واتحدت كل هذه الخصال مع موهبة الحدس التي كانت لديه، وكان الناس يفسرون الأمر على أنه «عصمة» يتوفر عليها الشريف.