لا تميل أغلب النساء إلى متابعة أفلام «الأكشن» ومطاردة السيارات المسرعة، أو أفلام الحروب والمعارك الضارية. وهذا راجع ربما إلى طبيعة المرأة الهادئة التي تفضل مشاهدة أفلام اجتماعية أو عائلية، أو مطالعة روايات رومانسية وقصص إنسانية.
يجوز لنا القول إن الطبيعة الساكنة للأنثى غريزة بشرية أصيلة. وفي هذا السياق، كانت المرأة ولازالت وفية لمبدأ التزاوج الفوقي أو ما يسمى «الهايبرغامي». وهو مصطلح سوسيولوجي يشير إلى الرغبة الملحة للإناث في التزاوج والتكاثر مع ذكر من طبقة اجتماعية عليا. غير أن هذا التعريف السطحي لمبدأ التزاوج الفوقي يتغاضى عن أصل هذه الرغبة الأنثوية الغريزية في البحث عن رجل يوفر لها ولصغارها الحماية المعنوية والمادية.
لا يخفى على أحد أن البشر عبارة عن كائنات تحركها البيولوجيا. لذا تجد أن الأنثى تتصرف وفقا لما يمليه عليها تكوينها البيولوجي. لقد لاحظت النساء، منذ بدء الخليقة، أن مساهمتهن في عملية البقاء عبر التوالد عملية معقدة ومستنزفة للطاقة الجسدية والنفسية والعقلية. وبما أن البنية الجسدية للمرأة تظل أضعف من الرجل، ودورها في الحفاظ على النوع البشري يظل أكثر أهمية من حيث المدة الزمنية والمجهود البدني المبذول من دور الرجل.
احتاجت المرأة لما يشبه تعويضا ماديا وعاطفيا مقابل القيام بدورها البيولوجي في التكاثر وإنجاب أكبر عدد من الأطفال الذين سيحملون لاحقا السلاح للدفاع عن القبيلة. لقد حرصت المرأة على منح بويضاتها محدودة العدد وشهور حملها المتعبة إلى الرجل «الألفا» القادر على توفير الحماية الجسدية والأمن الغذائي لها ولصغارها.
إن مبدأ التزاوج الفوقي يظل بعيدا كل البعد عن الفهم السطحي للذكور المعدمين الذين يسارعون إلى اتهام النساء بالطمع والجشع. تجدر الإشارة إلى أن الهجوم الشرس ضد اختيار المرأة للتزاوج الفوقي يكون مصدره غالبا ذكر لا يملك قوت يومه. لذا نود أن نطمئن هذا الذكر بأنه غير معني تماما لا بتزاوج فوقي أو تحتي أو عمودي: «غير ارتاح أخويا كَاع ماداوين عليك».
إن رحلة المرأة في البحث عن الأمان العاطفي والاستقرار المعنوي كانت ولازالت رحلة شاقة، حيث إن الاحتياج النفسي الملح لرجل يمنح أنثاه إحساسا لا محدودا بالأمان والعطف والحماية من المجهول، هو في نهاية الأمر نقمة لازالت تطارد معظم النساء. لقد كانت النساء وإلى وقت قريب أسيرات للتقاليد والعادات التي تعرقل حريتهن المادية، لتكون بذلك الحماية الذكورية ملاذهن الوحيد من رعب العالم. لم يتوان الرجل عن تحصيل مقابل لحمايته، حيث دفعت النساء ضرائب الاستعباد والاحتقار والظلم لقرون طويلة.
الوضع تغير الآن بعد حصول المرأة على بعض من إنسانيتها واستقلاليتها، إذ تواجه المرأة المعاصرة اليوم معضلة أخلاقية عويصة. لقد أصبحت الأنثى تعيش في مجتمعات آمنة ومتحضرة، حيث تملك النساء حرية العمل والحركة والذمة المالية المستقلة، الأمر الذي يمنح النساء شعورا قويا بالاكتفاء الذاتي. هذا الاكتفاء الذي يشكل لاحقا عائقا في الحصول على رجل تكون مهمته الأولى توفير الحماية المادية والمعنوية للأنثى.
فما الذي تريده المرأة تحديدا من الرجل؟ سؤال تصعب الإجابة عنه لدرجة أن فرويد مات وهو عاجز عن فهم رغبات النساء. لكن يبدو أن الرصانة العلمية والثقل الأكاديمي الفرويدي اختزلتهما الفنانة المصرية «ميسرة»، التي صرحت، في لقاء سابق لها، برغبتها في الزواج بالصحافي الفلسطيني وائل الدحدوح، الذي يمثل، من وجهة نظر «ميسرة»، الرجل المثالي الذي يجمع بين الشجاعة ورباطة الجأش والرجولة الصارخة.
تقول «ميسرة» إن سر إعجابها بوائل الدحدوح راجع إلى كون الرجل ظل صامدا مرابطا بعد كل المآسي التي تعرض لها. من فقد لزوجته وأبنائه، أو المحاولات المتكررة لاغتياله من طرف جيش الاحتلال. ومع ذلك تقول «ميسرة» إن الصحافي الفلسطيني أصر على وفائه لقضيته والدفاع عنها من رحم الألم. لقد لمست هذه الممثلة المصرية في شخصية الدحدوح قيم الرجولة الحقة التي أصبحت عملة نادرة في زمننا. إذ يمثل هذا الرجل القيمة الذكورية المفقودة، وهي الإحساس المشع بالأمان. لا تفوتنا الإشارة إلى أن موقف «ميسرة» تأكيد لمبدأ محاكاة الفن للحياة، حيث نذكر جميعا دور العاهرة الشريفة التي أدته ميسرة في فيلم «السفارة في العمارة» حين دافعت باستماتة عن «القضية» الفلسطينية.
لقد أصبح لزاما على الرجل المعاصر إدراك حقيقة أن الماديات لا تغني أبدا عن المشاعر وأن الاستقلال المالي للمرأة لا يغنيها عن رغبتها في الحماية واحتياجها المستمر للأمان. تجدر الإشارة إلى أن الرجولة، كمفهوم بنيوي، تمثل في تمظهراتها العديدة تيمة العطف الأبوي لدى المرأة. إذ تتخذ النساء غالبا من آبائهن مقياسا أخلاقيا لاختيار الشريك المحتمل، حيث تحتمي الأنثى، منذ لحظات وجودها الأولى، بالسلطة الأبوية التي تقوم بأدوار حيوية، أهمها توفير الأمان.
نتساءل كيف يستقيم في عقل وقلب بعض الذكور مطالبة الأنثى بالتخلي عن غريزتها ودراستها وحاجتها للحماية المادية والمعنوية، والرحيل عن منزل «بّاها لي مخنتها» حتى تعمل «ترّاسة عليه وعلى مو وخواتاتو، مقابل… والو».