«الدولة السنية» هل ستكون البديل لـ«الدولة الإسلامية»؟
السيدة حنان الفتلاوي، رئيسة كتلة «إرادة» في البرلمان العراقي، قالت إن لديها معلومات تتحدث عن حشد قوات عربية وأمريكية قوامها مائة ألف مقاتل لإزالة «الدولة الإسلامية» في العراق، وأكدت أن السناتور جون ماكين أبلغ السيد حيدر العبادي، رئيس الوزراء، الذي زار بغداد، أخيرا، أن القرار بإرسال القوات جرى صدوره فعلا.
الرئيس الأمريكي باراك أوباما ألقى خطابا، أول أمس الاثنين، تحدث فيه عن خطط جديدة لبلاده في العراق وسورية، بينما تلتزم حكومته الصمت تجاه أزمة القوات التركية المرابطة حاليا قرب الموصل، والتهديدات العراقية بقصفها باعتبارها انتهاكا لسيادة تبخرت منذ احتلال عام 2003.
السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح هو عن الأهداف الحقيقية التي تكمن خلف هذا الحراك، ومن هي الدول العربية والإقليمية التي سترسل قوات للانضمام إلى التحالف «الأرضي» الجديد الذي تسعى أمريكا إلى تشكيله بعد التحالف الجوي، وهل ستشكل القوات الأمريكية عشرة في المائة فقط من هذه القوات المقترحة، مثلما يؤكد السناتور ماكين، أم أكثر؟ ولماذا الآن؟
القضاء على «الدولة الإسلامية» ليس عملية سهلة، علاوة على كونها غير مضمونة النتائج، ولكن السؤال الافتراضي هو حول البديل الذي تريده أمريكا لهذه الدولة، والشكل الذي ستكون عليه المنطقة التي تسيطر عليها في كل من شمال غرب العراق، وشمال شرق سورية؟
جون بولتون أحد أبرز صقور المحافظين الجدد، وسفير أمريكا الأسبق في الأمم المتحدة في عهد الرئيس بوش، أجاب عن بعض هذه الأسئلة في مقالة نشرها قبل يومين في صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية، قال فيها إن سورية والعراق اللتين نعرفهما قد انتهيا، وإن البديل عن «الدولة الإسلامية» هو إقامة «دولة سنية» من قبل الولايات المتحدة وحلفائها العرب في موازاة دولة كردية شمال العراق، على أن تكون السيطرة لحزب البعث بشقيه العراقي والسوري عليها.
منظور بولتون لهذه الدولة يؤكد أنها تملك أسباب البقاء لوجود نفط في أراضيها (13 بئرا في العراق و170 بئرا في سورية)، يتم الاتفاق عليها مع الأكراد برعاية أمريكية، ولكن يجب أن تقوم السعودية ودول خليجية أخرى، حسب تصوره، بتمويل الاحتياجات المالية لفترة التأسيس، ويؤكد بولتون أن هذه الدولة السنية لن تكون ديمقراطية لسنوات عدة مقبلة، وستحارب الجماعات الإسلامية المتشددة.
التقيت بولتون مرة واحدة في حياتي، عندما شاركت معه كمحاور ومعلق عربي في حلقة من برنامج Dateline London الشهير في محطة تلفزيون «BBC» الإنجليزية، في مطلع عام 2003 وكان في طريقه إلى المنطقة، واصطدمت معه في جدل ساخن، ورد علي ببرود قاتل بقوله: انتقد أمريكا كما شئت، وشكك في نواياها بأعلى صوتك، وجوابي عليك سيكون على الأرض في الأسابيع المقبلة.
بعد بضعة أسابيع غزت القوات الأمريكية العراق واحتلته وقسمته على أسس طائفية وعرقية، وبقية القصة معروفة، وما أردت قوله إن بولتون هذا الذي يعمل حاليا في معهد إنتربرايز، الذي يعرف بأنه من أهم مراكز البحث الأمريكية المقربة من المؤسسة الحاكمة، لا يلقي الكلام جزافا، ويتحدث هنا عن خطة مرسومة في انتظار التطبيق العملي.
لا نستبعد أن تكون القوات التركية المرابطة حاليا قرب الموصل «رأس حربة» في الهجوم الجديد على «الدولة الإسلامية»، وبتنسيق مباشر مع الإدارة الأمريكية ومباركتها، ولا نستبعد أيضا أن تنضم إليها قوات سعودية وإماراتية وأردنية، وربما مصرية، الأمر الذي يذكرنا بما قاله قبل أسبوعين السيد أنور قرقاش، وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، ودون أي مناسبة، عن استعداد بلاده للمشاركة في قوات برية لمحاربة «الدولة الإسلامية».
اتفاقيات «سايكس بيكو» التي قسمت الدولة العثمانية قبل مائة عام بالتمام والكمال، انتهى عمرها الافتراضي، ويبدو أن هناك محاولة لتجديدها بإعادة رسم الحدود، وتفكيك الدولة القُطرية، وسورية والعراق تحديدا، وإقامة دول جديدة على أسس طائفية وعرقية.
دول عربية شاركت بفاعلية في تطبيق اتفاقات «سايكس بيكو» الأولى بتحريض إنجليزي فرنسي للثورة ضد الرجل العثماني المريض، باعتبارها دولا عربية تحت احتلال تركي، والآن ستشارك الدول نفسها وغيرها، للتدخل عسكريا تحت راية الطائفية السنية.
العرب تعرضوا لخديعة كبرى في اتفاقات «سايكس بيكو» الأولى، وما زالوا يدفعون ثمن تلك الخديعة، فكيف سيكون حجم الخسائر التي ستترتب على الخديعة الطائفية الجديدة؟
الخسائر ستكون ضخمة، والخديعة القادمة أكبر، والأيام بيننا.