شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

الدعاء وحده لا يكفي

 

عمرو الشوبكي

 

 

تصور البعض مع قدوم شهر رمضان المبارك أن الدعاء وحده سيكفي لنصرة الشعب الفلسطيني، صحيح أن التضامن بالدعاء موقف ديني وأخلاقي لا اعتراض عليه، بل ومحبب، بشرط ألا يكون حجة لعدم «الأخذ بالأسباب» ونقل الجانب الإيماني إلى فعل في الواقع، إنما الاكتفاء به دون القدرة على تقديم شيء يذكر على الأرض لن يفيد.

ورغم التعاطف الكبير الذي أبداه الشارع العربي مع القضية الفلسطينية، ورغم الإدانة الواسعة لجرائم الاحتلال الإسرائيلي، إلا أن هذا التعاطف ظل في معظمه غير مؤثر، مكتفيا بالشعارات والدعاء ودون أن يترجم في عمل شعبي منظم لدعم الشعب الفلسطيني، وظل المغرب استثناء في العالم العربي، حيث تفوقت جماهيره في الحشد والتعبئة لصالح القضية الفلسطينية عن مظاهرات معظم دول العالم.

وقد بدا الأمر لافتا حين استمعنا إلى تصريحات رئيس جمهورية البرازيل، حين وصف الجرائم الإسرائيلية في غزة بأنها تشبه جرائم هتلر والنازية واستخدم الرجل مفردات قوية في إدانة العدوان الإسرائيلي، وجاء موقف جنوب إفريقيا التي ذهبت إلى محكمة العدل الدولية تتهم إسرائيل بارتكاب جرائم إبادة وهو دعم فعلي في أرض الواقع، وليس بالشعارات أو الدعاء.

لقد كشفت غزة محدودية القدرات العربية المدنية والشعبية والسياسية، والفارق بين التعاطف الفطري مع الشعب الفلسطيني وبين القدرة على التأثير والأمثلة في ذلك كثيرة، فهناك القيود المفروضة على العمل الشعبي والمدني المستقل، بحيث صار الدعاء على إسرائيل في مواقع التواصل الاجتماعي هو الصورة الأبرز لدعم الشعب الفلسطيني، وغابت التظاهرات الشعبية ومعها التواصل المطلوب مع التحركات العالمية الداعمة للشعب الفلسطيني، سواء على المستوى الشعبي من خلال قادة الحركات السياسية الداعمة للحقوق الفلسطينية أو على المستوى الرسمي من خلال الغالبية العظمى من الزعماء غير الغربيين المنتخبين ديمقراطيا من البرازيل إلى الشيلي إلى جنوب إفريقيا، والذين دعموا بشكل فاضح الحقوق الفلسطينية.

وقد استخدم قادة هذه الدول لغة مدنية وقانونية قوية صارمة ضد إسرائيل وأدانوها في كل المحافل الدولية وأمام الرأي العام الداخلي، رغم الهجمات والضغوط الإسرائيلية، فيكفي قيام جنوب إفريقيا برفع قضية ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية تتهمها بارتكاب جرائم إبادة جماعية، ولم تخش من همجية رد الفعل الإسرائيلي الذي كثيرا ما حرض المجتمع والمؤسسات الدولية على أي دولة تعارض سياستها.

إن ردع إسرائيل وإيقاف جرائمها لن يتحقق إلا في لحظة تستطيع فيها الضغوط الشعبية أن تؤثر في معادلات الحكم والسياسة، وهو أمر لم يحدث بعد، أما الاكتفاء بالدعاء عليها في المساجد وصلاة التراويح سيريح من يقوم به، ولكنه لن يغير مأساة أهل غزة ولن يدعم بشكل فعلي الحقوق الفلسطينية، فالمطلوب تحويل طاقة الإيمان في الشهر الفضيل إلى فعل شعبي ودعم سياسي وقانوني ومادي يقدم للشعب الفلسطيني.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى