شوف تشوف

الافتتاحيةالرئيسيةسياسية

الدرع الأطلسي

الافتتاحية

تواصل الخطابات الملكية خطها الاستراتيجي في رسم موقع المغرب المستقبلي، بعيدا عن التأثر بحرارة السياقات الظرفية والإكراهات العابرة التي يمكن أن تعالج في حدود الإجراءات والسياسات العمومية.

لذلك رفع الملك السقف عاليا وبعيدا في اتجاه ترسيخ القيم المرجعية للأمة المغربية وإطلاق الأوراش والمبادرات الجيوستراتيجية العابرة للزمن السياسي والتي تتجاوز امتداداتها التراب الوطني.

فحينما يخصص الملك خطاب ذكرى المسيرة الخضراء للفضاء الأطلسي كفضاء جيوستراتيجي خلال العقود المقبلة، فهذا يعكس الرؤية الملكية المستقبلية للمغرب وإفريقيا، عبر برامج ومشاريع كبرى وتكتلات وازنة تجعل من الصحراء المغربية والدول المطلة على الأطلسي قطبا استراتيجيا للاستثمارات والأمن والاستقرار، خصوصا وأن الخطاب يوجه رسائله إلى تكتل يضم 23 دولة إفريقية، تضم 40 في المائة من سكان القارة السمراء و55 في المائة من الناتج الداخلي الخام.

ومن يقرأ ما بين سطور الخطاب الملكي في جعل المحيط الأطلسي كأفق جديد للتوجهات الاستراتيجية للمغرب خلال السنوات المقبلة، سيدرك الرسائل المبطنة لهذا التوجه الجديد الذي يأتي عصارة حوالي 50 زيارة رسمية قام بها الملك إلى الدول الإفريقية وما ترتب عليها من توقيع 1000 اتفاقية.

أولى الرسائل أن المغرب حسم مصير قضيته الوطنية والتي لن تكون خارج خيار الحكم الذاتي، كخيار وحيد وأوحد، فلا يمكن أن يطلق الملك مبادرات كبرى باستثمارات خيالية في فضاء مشكوك في انتمائه للتراب الوطني، لذلك فأمر وحدتنا الترابية محسوم مسبقا وليس موضع شك.

ثانيا، إغلاق الباب بإحكام في وجه الجارة الشرقية التي كان لها طموح دفين في الوصول بأي طريقة كانت إلى المحيط الأطلسي، بل إن الجزائر خاضت معركة انفصال ضد المغرب لنصف قرن من أجل هذا الهدف، لذلك حينما يصر الملك في خطابه على ذكر الدول 23 المطلة على الأطلسي فهذا يعني أنه ليس هناك أي احتمال لكي تطل دولة أخرى من ترابنا الوطني.

ثالثا، إعلان فشل الدرع المتوسطي للدول العربية المطلة على المتوسط كتكتل استراتيجي على الأقل في المدى المنظور. صحيح أن المغرب تربطه علاقات مميزة مع معظم الدول الأوروبية المطلة على المتوسط، لكن هذا الخيار لم تعد له أولوية، خصوصا بعد تعطيل الجزائر لمشاريع المغرب الكبير ودخول كل الدول الإفريقية المطلة على المتوسط في متاهات أزماتها الداخلية.

رابعا، أن مستقبل القارة الإفريقية برمتها رهين بمصير الدرع الأطلسي في علاقته بالقارة الأمريكية. لقد قضينا عقودا في الاستثمار الاقتصادي والديبلوماسي والجيواستراتيجي مع القارة الأوروبية، وحان الأوان لتغيير البوصلة وتعديد مراكز النفوذ في اتجاه القارة الأمريكية، دون أن يكون ذلك وفق القاعدة الصفرية، التي تجعل الخيار الجديد يلغي الخيارات التي قبله.

خامسا، أن الخطاب مقتنع تماما بكون ازدهار هذا التكتل اقتصاديا وسياحيا واستثماريا واستقرارا أمنيا هو السبيل الأنسب لنهضة إفريقيا والعكس بالعكس. فكلما استمر الدرع الأطلسي في تشتته وانشغاله بأزماته المتوالية وعدم استثمار ثرواته في البر والبحر، فإن إفريقيا ستظل على حالها غارقة في الضعف والفقر والاستغلال.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى