الخلل
شامة
ردود الفعل على التقرير الذي صدر حول العنف ضد نساء المغرب، تظهر جليا أننا في المغرب لا نفهم بعد ما هو العنف، لأنه إن كنا نفهمه جيدا فردود الفعل الطبيعية كانت ستكون الاحتجاج ضد هذا العنف، والدعوة إلى وقفه، لأن هذا هو رد الفعل الطبيعي في مجتمع يدين بالإسلام، ذلك الدين الذي فيه سورة كاملة باسم «النساء»، والذي كانت آخر وصايا نبيه عن النساء، وهو ما يعني أن ردود الفعل تلك والتي احتجت على ما جاء في التقرير، واعتبرت أنه مساند للنساء، وأن الرجال يمارس عليهم العنف، وأن «لعيالات غي ديال لعصا»، هو رد فعل يعني أننا نحتفظ داخل عقلنا الباطني بشحنة كبيرة من المشاعر السلبية لم نقم بعد بالتخلص منها، ونتلذذ بتصريفها ضد الحلقة الأضعف، وهو ما يفسر لماذا يعامل الرجل بشكل سيئ امرأة تحسن له، ولماذا هو يعشق المرأة التي تهوى «تعذيبه».
لنتفق أولا على أن التقرير كان مخصصا للنساء، وأنه تحدث عن كل أشكال العنف الذي يطولهن، وليس فقط العنف من الزوج. فالتقرير تحدث أيضا عن العنف في الشارع، والعنف في مكان العمل، لكن الغريب أن أغلب التعليقات كانت تحتج على ما جاء حول العنف أثناء الخطبة، وأثناء الزواج وبعد الطلاق، وهو ما يظهر جليا أن العلاقة العاطفية بين رجل وامرأة هي علاقة سيئة جدا، وأنه في المغرب لم نتعلم بعد كيفية الدخول في علاقة عاطفية تقوم على المودة والرحمة، وكيف نخرج من هذه العلاقة بالإحسان والمعروف.
في كل أسرة في المغرب، الأم هي من تتحكم في التربية، والرجل له فقط «شرف الإشراف»، هؤلاء الأمهات هن أنفسهن خضعن لطريقة التربية نفسها التي تنتج العنف ضد المرأة، وضد الرجل نفسه، وهو ما نلحظه بقوة في ذاك الصراع الذي ينشأ بين زوجة الرجل وأمه، أو بين أمه وأم زوجته، أو بين أخته وزوجته، هؤلاء الأمهات يربين أطفالهن على طريقة «الأمم المتحدة»، والتي تقوم على قاعدة «زوج ابنتي عليه أن يعتني بابنتي ويدللها، زوجة ابني عليها أن تدلل ابني وتحمد الله أنه تزوجها».
من هذه القاعدة يأتي العنف الزوجي؛ الابن عليه أن يبحث عن زوجة تنال رضا أمه، وهذه المرأة تعرف جيدا أن عليها أن تنصاع لهذه القاعدة إلى أن تحصل على هذا الابن زوجا لها، وتنجب منه أطفالا، ثم تكشر عن أنيابها مطالبة بحقها في الوجود، وبتعويض معنوي عن الفترة التي اضطرت فيها إلى الانصياع، وقمع آرائها ومواقفها، وهنا تبدأ الحرب، بين أم تطالب ابنها بأن يثبت «رجولته» أمام زوجته، وزوجة تطالب الزوج بأن يثبت لها أنه «راجل» وليس «ولد ميمتو»، هل كان هذا سيحدث لو أن أمهات هذا البلد لم يعتمدن «قاعدة الأمم المتحدة في التربية؟»، طبعا لم يكن سيحدث.
الأمهات أيضا يقمن بإعادة إنتاج الخطأ نفسه في التربية المؤدي إلى العنف، وهو حين تتم ممارسة التمييز بين الابن والابنة، فهذه الأم ستجدها قد عاشت بالطريقة نفسها في منزلها، ولا ننسى أن أغلب المجتمع المغربي قادم من مجتمع قروي لم يكن يعطي أهمية كبيرة للبنت لأنه يرى فيها استثمارا غير مربح، سيأتي بعد سنوات قليلة رجل وينقلها إلى بيته تخدمه وتخدم أهله، أما الابن فهو سيتزوج ويظل بجانب والده ويساعده، وأبناؤه سيملؤون عليه المكان. هؤلاء حين اضطروا إلى الرحيل نحو المدينة نقلوا معهم العقلية ذاتها التي لم تتغير حتى بدخول بناتهم إلى المدرسة، وهو ما نراه في تلك التفاصيل البسيطة، مثل «هاداك حق خوك متقسيهش»، «خوك ناعس نقصي من التلفزة»، «لا منقدرش نقولها لخوك»، وهي العبارات التي لن تستعمل مع الابن، فكيف تريدون أن ينشأ هذا الابن وهو يحترم المرأة، أيا كانت هذه المرأة وليس بالضرورة زوجته، وهو لم يربَّ على أن أخواته لهن مكانة وحقوق، وعليه احترامهن، وأنه يعاقب على إهانته لهن؟
داخل كل أسرة من أسر المغرب، ستجد شخصا ضحية، وآخر يستعمل سلطته للتعنيف، وقليلا ما ستجد الأم لا تميز في تربيتها بين الابن والابنة، وكثيرا ما ستجد الطفل يعاقب بطريقة عنيفة، أو تجده يرى كيف يعنف والده أمه، ونادرا ما تجد الحوار هو طريقة حل المشاكل بين الأب وابنه، أو الزوجة وزوجها، لذلك إن أردتم فعلا التخلص من العنف في المغرب، فابدؤوا من المنزل، هناك يعشش الخلل.