شوف تشوف

الرأي

الخالدون في مناصبهم

هناك عينة من الناس يضعون أيديهم على قلوبهم هذه الأيام، لأن مصيرهم ومصير أبنائهم مرتبط بالولاءات الانتخابية. هؤلاء الناس، لا يهمهم أبدا أن يصبح المغرب مكانا أفضل للعيش، بقدر ما يهمهم أن تبقى بعض «مسامير الميدة» في مكانها لا تبارحها، لكي تستمر هي في المناصب التي تشغلها.
راج في 2012 حديث طويل عريض، نسيه الجميع بشكل مريب، يتعلق بالخالدين في مناصبهم. أي أولئك الذين يتم تعيينهم في مناصب المسؤولية على رأس الإدارات العمومية، ويتركون لحلب ملايين السنتيمات شهريا بدعوى أنها تعويضات عن التنقل وامتيازات أخرى. ولا يستبدلون بغيرهم إلا عندما يرغب أحد النافذين في الإحسان إلى أصدقائه، وهكذا.
ماذا سيكون مصير هؤلاء بعد الانتخابات المقبلة؟ لا شك أن أكثر الناس اهتماما بنتائج الانتخابات، هم هؤلاء الخالدون في مناصبهم. رغم أن أغلبهم بقوا صامدين، إلى الحد الذي يتساءل معه بعض الموظفين عن سر بقاء مدرائهم خالدين رغم الزوابع وحملات التعيينات التي اكتسحت عددا من الإدارات المغربية خلال السنوات الخمس الأخيرة.
هناك مسألة خطيرة، لا يلقي إليها هؤلاء المتابعون المفترضون بالا، تتعلق بإيصال عينة كبيرة من الفاشلين إلى المناصب الصغيرة التي تحوم في فلك المناصب المتوسطة، والتي توصل بدورها إلى المديريات داخل الإدارات التابعة للدولة.
لنأخذ الحزب الحاكم على سبيل المثال. فمنذ وصول «البيجيديين» إلى الدوائر، شرعوا في زرع أبناء الحزب في بعض المناصب الصغيرة التابعة للحزب، ويصرفون لهم أجورا شهرية، كما تنص على ذلك القوانين الداخلية للحزب، وهؤلاء الناس ليسوا إلا عبارة عن منخرطين قدامى داخل الحزب، لم ينجحوا في مباريات الوظيفة العمومية في السابق، وبقوا يناضلون داخل التنسيقيات التابعة للحزب، ويحضرون الأنشطة ويرتدون «الجيليات» ويوزعون المنشورات في الانتخابات، ويوزعون الشاي والحلوى في التجمعات الخطابية وينظفون المقرات الفرعية في المدن الصغرى ويعدّون الماء للوضوء لبقية الأعضاء، وهكذا تدرجوا في الخدمة والنضال الداخلي إلى أن تدبر لهم الحزب أمر إدماجهم مؤقتا في لجان الحزب والمكاتب الإقليمية، ومن ثم «تبليصهم» في الانتخابات باسم الحزب إلى أن أصبح جلهم أخيرا رؤساء للجماعات المحلية، وبدؤوا يرسمون طريقهم الآن للوصول إلى البرلمان، رغم أنهم، وللأسف، فاشلون في الحياة، ولم تكن لديهم أي خبرات أو كفاءات علمية أو مؤهلات مهنية تجعلهم في المستقبل قادرين على تمثيل شريحة ما من هذا المجتمع في مناصب المسؤولية.
هذه العينات، هي الأجيال المقبلة من الخالدين في مناصبهم المفترضين. لأن من شروط الخلود في بعض المناصب على رأس الإدارات العمومية، خصوصا منها الإدارات التي يبتعد عنها المواطنون ولا يحسون بأن مصالحها تعنيهم، هي أن يكون المدير بعيدا عن «الشبوقات» وألا يفهم أي شيء في التسيير، وما يهم أصحاب الحال، أن المدير تابع للحزب الفلاني، ويتحكم فيه فلان وفلان، ويتصل به فلان، ويستطيع أن يصوت على فلان.
لا يمكن لأي حزب سياسي الآن في المغرب، أن يعلن براءته من هذه الممارسات. منذ بدء الأحزاب السياسية في المغرب، والغرض من ورائها هو «تبليص» المناضلين والمناضلات، الأحياء منهم والأموات، في كل الأماكن التي يستطيع الحزب الوصول إليها، حتى أن بعض الأحزاب التي لا ترى مشكلا في الأمر، تفتخر لكونها تسيطر على عدد من القطاعات، بتوظيف أبنائها في كافة المصالح الإدارية، بغض النظر عن الكفاءة.
أما المسألة التي تدق المسمار الأخير في نعش نزاهة الأحزاب السياسية، فهي «التفرغ». لا يمكن أبدا لحزب يحارب الفساد، أن يعتمد على أبنائه الذين يشتغل أغلبهم في قطاع الوظيفة العمومية، خصوصا التعليم، بعد أن يدلوا للإدارة بشهادة التفرغ، وهكذا يتملصون من مهامهم بدعوى التفرغ للعمل السياسي والحزبي، وهذا الأمر يتعارض أخلاقيا مع ما يدعو إليه هؤلاء الناس في التجمعات الخطابية ورسائل الطهرانية التي يحيطون أنفسهم بها ويحرمون منها الآخرين.
لا يمكن لشخص أن يساهم في محاربة الفساد أو الدعوة إلى التغيير في هذا البلد، وهو يمارس الريع في أبشع صوره. لماذا يتخلى رجل التعليم الشاب عن رسالته، ويترك أبناء المغاربة مشردين في الأقسام في المناطق النائية، ويدلي بشهادة التفرغ، ويصعد إلى مقر الحزب في طنجة أو أي مدينة أخرى، ويحضر الاجتماعات ويرافق الوزراء في دواوينهم ويحارب المعارضة ويدعو إلى الضرب على الفساد بيد من حديد، بينما قفاه عار تماما، ويستحق صفعة تعيده إلى وعيه، حتى لا يصبح مستقبلا، مشروع «شرغوف» سياسي في نادي «الخالدين في مناصبهم».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى