الحوار الثقافي وأثره على التماسك الاجتماعي 3.1
خالد الشرقاوي السموني
برز موضوع الحوار الثقافي كانشغال رئيسي في الفترة الأخيرة، بل أصبح من أكثر المواضيع الفكرية الملحة للنقاش والتداول في العالم، بسبب النزاعات الإثنية والمذهبية واللغوية والدينية.
ونشهد في الوقت الراهن انفجارا في التنوع الثقافي والتعددية الثقافية، كما صارت المجتمعات الآن مزيجا من الأجناس تنتمي إلى ثقافات وبيئات متنوعة، وهذا التنوع الاجتماعي يشكل ثراء ثقافيا للمجتمع، يمنحه قوة وخصوصية وحيوية.
كما أن العالم يعيش اليوم صراعات وحروب ومواجهات صدامية بين الدول، ويمر بأزمات عدة غالبيتها نشأت من التطرف الديني، ومن التمييز العرقي، ومن دعوات الكراهية والعنصرية، وأصبح الأفراد في بعض المجتمعات يعيشون داخل مجموعات منفصلة تتميز بجهل الواحدة للأخرى وبالأفكار النمطية المتبادلة، ونتج عن العولمة زيادة في نقاط التفاعل والاحتكاك بين الثقافات أدت إلى توترات وصدامات ومطالبات تتعلق بالهوية، مما جعل أهمية الحوار بين الثقافات والأديان تزداد، باعتباره أداة تساهم في نشر الوعي السليم للحد من تداعيات هذه الصراعات والتوترات التي تهدد استقرار المجتمعات البشرية، وتؤجج الأزمات الإقليمية والدولية وتخِل بالسلام العالمي، وتؤثر سلبا على تقدم الشعوب.
وهذا الموضوع، الذي نحن بصدده، يعد من الموضوعات المهمة ذات الأبعاد الإنسانية، التي تحظى باهتمام واسع من قبل المجتمع الدولي، نظرا إلى ارتباطه وتكامله مع موضوع الحوار بين الأديان وبين الحضارات.
وسنعرض من خلال هذه المداخلة أهمية الحوار الثقافي وعلاقته بالتنوع الثقافي، أولا، ثم ثانيا، دور الحوار الثقافي في تعزيز التماسك المجتمعي.
أولا: أهمية الحوار الثقافي وعلاقته بالتنوع الثقافي
يقول ابن خلدون في مقدمته «إن الإنسان اجتماعي بطبعه. وهذا يعني أن الإنسان فطر على العيش مع الجماعة والتعامل مع الآخرين، فهو لا يقدر على العيش وحيدا بمعزل عنهم مهما توفرت له سبل الراحة والرفاهية».
لذلك، فإن الإنسان كائن اجتماعي لا يمكن له العيش في معزل عن الجماعة، ويجب أن يقترب من بعضه البعض من خلال التساكن والتعايش والمشاركة الجماعية. وهذه العلاقة الاجتماعية يوطدها أكثر الحوار والتفاهم.
والحوار الثقافي هو وسيلة لغاية أسمى هي تحقيق التقارب بين الثقافات المختلفة، وتفادي الخلافات المؤدية إلى النزاعات والحروب والتطرف. فهو آلية أو وسيلة لتقريب وجهات النظر المتباعدة، وتحقيق التواصل والتفاهم بين الجماعات المتعايشة في مكان واحد أو في أمكنة مختلفة، لأن غياب حوار ثقافي يؤدي إلى تفكيك وحدة المجتمع والنسيج الاجتماعي، مما يؤدي إلى جعل المجتمع كالفسيفساء. ويعود السبب في ذلك إلى أن لكل ثقافة نمط حياة وعادات وتقاليد تساهم في تكوين إطار خاص للثقافة وانغلاقها على نفسها، مما يؤدي إلى تفكيك الإطار المشترك وهو المجتمع أو الدولة.
فالحوار الثقافي يكرس الاعتراف بشرعية جميع الثقافات الموجودة في المجتمع، والتعرف على عادات الثقافات الأخرى وقيمها وتقاليدها وتحقيق المساواة والحريات بين جميع الثقافات الموجودة داخل المجتمع، والاحترام المتبادل بين الثقافات المختلفة.
ولا يمكن تصور حوار ثقافي حقيقي، إذا لم يكن هناك إقرار بمبدأ التنوع الثقافي. فالتنوع الثقافي عامل أساسي للفهم المتبادل والتعايش السلمي والسير نحو التقدم الاقتصادي والاجتماعي، وحماية التراث لجميع الشعوب التي يتعرض تراثها الثقافي والحضاري لمحاولات التشويه والتزوير والطمس والتدمير.
ومن جهة أخرى، فإن التنوع الثقافي، الذي هو حق من حقوق الشعوب، وفطرة في الإنسان وطبيعة في الحياة وسنة في الكون، يقتضي التقاربَ بين الثقافات، بحكم أن التنوع هو مدعاة للتقارب، بخلاف الانغلاق الذي هو سبيل إلى الانكماش المفضي إلى ضمور الثقافات وسقوط الحضارات.
ولما كان الإسلام يعترف بالاختلاف، فإنه يقر بالتنوع الثقافي الناتج عنه، لأنه ظاهرة كونية وحالة طبيعية اتسمت بها حياة المجتمعات الإنسانية على مر عصور التاريخ، مصداقا لقوله تعالى: «ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم، إن في ذلك لآيات للعالمين».
وجدير بالإشارة في هذا الصدد إلى أن «الإعلان الإسلامي حول التنوع الثقافي»، أكد على وظائف هذا التنوع الذي وصفه البعض بـ«التنوع الخلاق»، باعتباره يخلق الفرص لتنمية العلاقات بين الشعوب والأمم، ولإرساء القواعد الراسخة للتعاون الدولي مع الاحترام للخصوصيات الروحية والثقافية والحضارية، مصداقا لقوله تعالى: «يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم، إن الله عليم خبير».