الحلم المشروخ
ارتدى أطفال في وضعية إعاقة ذهنية بذلهم الرياضية ودخلوا منافسات الأولمبياد الخاص المغربي، تحذوهم رغبة الصعود إلى منصة التتويج، والعودة من مدينة إفران بميدالية على الصدر وابتسامة على الثغر، لكن أحلام الأطفال تتعارض مع رغبات الشخصيات الرسمية التي حضرت على مضض وهرولت فور انتهاء كلمات الترحيب صوب العاصمة الرباط كي لا تخلف الوعد مع موازين.
شعر بعض المنظمين بالإحراج، حين تقاطرت عليهم «ميساجات» الاعتذار، فقد أرسل لحسن السكوري وزير الشباب والرياضة ممثلا عنه إلى إفران، وأوصاه باستظهار مبررات الاعتذار، وغابت بسيمة الحقاوي وزيرة التضامن عن حدث يعد حضوره تضامنا مع فئة من أبطال في وضعية إعاقة. لم تقدم نصف مبرر للغياب فكم حاجة قضاها الوزراء بتركها. ولم يظهر أثر للحسين الوردي وزير الصحة، بينما نابت عنه سيارات إسعاف وفرق طبي يريد أن يقنع المنظمين بأن «الغايب حجتو معاه»، إذا كان وزيرا طبعا.
حين دعا عبد الإله بن كيران وزراء حكومته إلى خلوة سياسية في مدينة إفران استجابوا لدعوته ولم يتأخروا دقيقة عن الموعد، لأنهم يعلمون علم اليقين أن في الخلوة سبعة منافع ستة منها سياسية والباقي حميمي.
باستثناء نزهة بيدوان التي حضرت حفل الافتتاح وغادرته قبل نهايته صوب الرباط لحضور ملتقى الأسوياء، فإن نجوم الرياضة لم يلبوا دعوة المنظمين، فما يربطهم بالأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، مجرد وصلات إشهارية تضامنية في الأسبوع الوطني للتضامن، كانت الراحلة زليخة تعتبرها شرط عين لاستكمال النجومية. غاب هشام الكروج وبادو الزاكي ونوال المتوكل وسعيد عويطة وكل النجوم الذين انتفعوا من القصر حين استثمروا إلزاميا في حملات تضامنية. كما غاب نجوم الفن الذين لطالما عبروا في برامج تلفزيونية عن استعدادهم للمشاركة الطوعية في المبادرات التضامنية، وحضرت أغانيهم التي رددها الأطفال دون أن يفهموا مغزاها.
لكن الغائب الأكبر عن الدورة هو الروح الرياضية، فكثير من المدربين لم يفهموا بعد مغزى تظاهرة رياضية لفائدة أطفال يعانون من اختلالات ذهنية، لذا يصرون على جني الربح والظفر بالألقاب بإشراك أسوياء درجة ثانية، هؤلاء يدوسون مع سبق الإصرار والترصد مبادئ الأولمبياد الخاص، ويبحثون لنفسهم عن فرصة لصعود منصة التتويج بعد إخضاع شعار الدورة «الرياضة رافعة للإدماج» لتعديل اضطراري لتصبح الرياضة رافعة إلى أعلى المراتب بأقل جهد وعرق.
حين فاز شاب في إحدى مسابقات ألعاب القوى، لم تكن أعراض المرض الذهني تظهر عليه، صاح التوحديون هذا ليس من فصيلتنا وقال الصبغيون هذا ليس من فئتنا، قبل أن يستقر الرأي على وضعه في منزلة بين منزلتين، دون أن يعبأ أحد لاحتجاج مدرب فريق منافس يتأبط شهادات طبية تعزز فرضيته. وفي المساء شوهد الرجل وهو يشكو قلقه لمجسم أسد تحول إلى مزار.
لا تتوفر مدينة إفران على مركز لفحص الحالات بشكل دقيق، ولا تتوفر على مستشفى كامل الأوصاف، فحين يقضي آلاف الأطفال في وضعية إعاقة أسبوعا كاملا في هذه المدينة، فإن الاستنفار يبلغ أقصى درجاته، ويتحول المؤطرون إلى طاقم احتياطي مساعد.
في هذه المدينة السياحية لا وجود لخدمات الصيانة، الجسدية أو الميكانيكية، لا يمكن أن تعثر على مصحة متعددة الاختصاصات، إذا أصيب البدن بعطل، ولن تعثر على ميكانكي إذا أصيبت سيارتك بعطب، ويمتد القلق ليشمل الحيوانات أيضا، حيث تجمهر الناس أمام مصلحة حفظ الصحة بإفران بحثا عن لقاح مضاد للسعار، بسبب هيجان بقرة بدوار مجاور.
اعتذر المسؤول ومسح التهمة في معهد باستور، الذي رفض تزويد الجماعة باللقاحات اللازمة، قبل الاستعانة بجماعة واد افران، التي تتوفر على مخزون للأدوية المضادة للسعار، وهي الجماعة التي كان يرأسها محمد أوزين وزير الرياضة السابق الذي يقدر خطورة السعار خاصة إذا ابتلي به السياسيون.