الحكم بالإعدام على فيصل القاسم
اتصل بي صديقي (أنس) في مدينة الجديدة المغربية، ليخبرني أنه صدر حكم من القضاء السوري بتاريخ 22 يوليو عام 2015م، بالإعدام على كل من (فيصل القاسم) صاحب برنامج الاتجاه المعاكس من قناة الجزيرة، و(ميشيل كيلو) المعارض السوري.
جاء الحكم مرافقا لمصادرة كافة ممتلكات وأموال المذكورين المنقولة وغير المنقولة. وطبعا جاء في حيثيات الحكم أنه موهن للشعور القومي ومثير للنعرات الطائفية إلخ… حجج القضاء السوري الفاسد المعروفة.
الغريب في الحكم تأخره وليس صدوره، فهل أصدر النظام الفاشي في دمشق الحكم، لأنه يخطط لاغتيال المذكورين؟
نظام الحكم المافيوزي في سوريا أرسل فريقا إلى المعارض السوري (عصام العطار) لاغتياله في آخن، وقبل اقتحام شقته أخذوا الجارة الألمانية رهينة، ودفعوها أمام باب شقة العطار؛ فلما فتحت لهم الزوجة (بنان الطنطاوي وهي ابنة المتحدث المشهور علي الطنطاوي) الباب لاستقبال جارتها، كانت تسع رصاصات بانتظارها، ما يكفي لقتل العصبة أولي القوة من الرجال.
كوماندو الأسد تابع طريقه إلى إسبانيا فقتل (الصباغ) إمام مسجد غرناطة، وفي باريس أردى صلاح البيطار (وهو المؤسس الثاني لحزب البعث بعد عفلق) بالرصاص في وضح النهار، ولم يخش الفاعل عقباها.
الاغتيال السياسي هو الأسلوب الثالث لرئيس العصابة الأب الأسد، الذي كلف من قتل أقرب الناس إليه (محمد عمران) في الحلقة الضيقة الطائفية، التي تصدرت انقلاب الثامن من آذار المشؤوم. وكان رجال الانقلاب مثل قشر البصل طبقة فوق طبقة. كل طبقة تتآمر على التي بعدها، حتى هلك الجميع، وبقي متفردا الأسد الأب، فحكم ثلاثين عاما وضعت سوريا في الصقيع السياسي، فعلها في الغالب ليس بالدهاء والمكر وخفي التخطيط فقط، بل لوجود مجلس سري يساعده.
في التاريخ نعرف عن شيخ الجبل في قلعة (آلاموت) في إيران، وهم المعروفون بالحشاشين، ولكن الفظيع كان في قلعة (مصياف) حيث الشيخ سنان في سوريا يدير حملة الاغتيالات التي نجا منها صلاح الدين الأيوبي بأعجوبة، ويمكن قراءة كامل القصة من سيرة صلاح الدين التي كتبها (نادر القلعجي).
أما الأسلوب الثاني للأسد الأب، فكان تطبيقه على رياض الترك (العنيد) حيث يقتل بطريقة خاصة بدون أن يقتل بل (ينقعه) في السجن حتى يتعفن مثل المخلل فإما خرج نصف مجنون أو نصف نبي!
نفس الشيء تم تطبيقه على منافسه (صلاح جديد) وهو من نفس طائفته، ورئيس الحكومة السورية الانقلابية (نور الدين الأتاسي) الذي خرج ليموت في فترة قصيرة بعد رحلة سجن المزة الرهيب.
الديكور السياسي، والقتل (التصفية وعلى التلفون) والسجن على طريقة فرعون؛ لئن اتخذت إلها غيري لأجعلنك من المسجونين، كانت أساليب الأب الجهنمية التي يتعلم فيها إبليس بذاته دروسا في كلية حافظ الأسد الاستخباراتية.
في القرآن في سورة الأنفال ذكرت الأساليب الثلاثة في نصف آية (وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك (السجن) أو يقتلوك أو يخرجوك (النفي) ـ الآية 30).
قضية (فيصل القاسم) و(ميشيل كيلو) وكل من يمكن أن تصل لهم أيادي النظام وأذرعته الممتدة حول العالم ليست جديدة، فالوصية الأولى في النظام الأسدي هي: لا تتردد في القتل قط. وهي نفس الجملة التي كان يكررها (أبو مسلم الخراساني) الذي قاد التنظيم السري للعباسيين من أجل الأطاحة بالأمويين: اقتل من رابك أمره ولو كان طوله خمسة أشبار.
أذكر أنني التقيت مع الواعظ الديني (راتب النابلسي) حفظه الله في مسقط، وكان مدير الأوقاف العماني حاضرا، فلما ذكرت أساليب عمل نظام المخابرات الأسدي دهش القوم وصدموا، بمن فيهم النابلسي الذي لم يدخل قط أقبية المخابرات كما ذقتها أنا، تحدثت لهم خاصة عن القانون (الفعلي) الذي يحكم سوريا بالتوازي مع الدستور المكتوب، فهناك دستور استخباراتي مجرم يحكم بالفعل بدون مسودة وقرطاس وفقرات وبنود. فقط بالطبنجة والغدارة وخنجر الحشاشين وساطور القراصنة.
قلت لهم إن سمعتم خبر اغتيالي يوما فاعرفوا أنه عادي جدا، وهو نفس الشيء بالنسبة لفيصل القاسم الذي حزم أمره مع الشعب السوري والثورة السورية، وجند إمكانياته لنصرة المظلومين المقصوفين بـ 1600 برميل على الأقل في شهر في الزبداني، ومعدل 47 برميلا يوميا لباقي المناطق.
كنت في ألمانيا في زيارة صديقي حسن حين أطلعني على كتاب قرأته على عجل حول أسلوب حكم الأسد الأب وطريقة تعامله مع خصومه. قال هي ثلاثة أصناف فإما منح أحدهم مكتبا فخما مع سيارة وراتب مغري ومظهر مبهرج كأن سوريا بلد التعددية السياسية، كما صرح بذلك الأب يوما في مقابلة تلفزيونية لصحفية أمريكية، من أن أمريكا عندها حزبان جمهوري وديموقراطي، أما في سوريا فهناك تسعة أحزاب. قالها الأب ولم يرف له جفن كاذب فحدقت فيه الصحفية بعجب.
طلاس وزير الدفاع كان أصرح في مقابلاته حين قال لمراسلة مجلة دير شبيجل الألمانية سوزان كيبل «كنت أوقع بيدي على الحكم بإعدام 150 شخصا أسبوعيا في دمشق لوحدها»، وكرر إنه البتر. ألا ترين استقرار الأوضاع وهدوء الحالة؟ قالها وصورة تطل من ظهره رسمتها يد هتلر واشتراها المجرم من مزاد علني في لندن من أموال المسحوقين المنهوبين.
نشرت الصحفية الألمانية المقابلة بعنوان (جدول ضرب الديكتاتورية؟) فأنكرها ـ طبعاـ وزير الدفاع الأسدي.
جاء في الأساطير العربية أن الفرزدق هدد بالقتل مَربعا، فأنشد جرير شعرا يقول فيه:
زعم الفرزدق أن سيقتل مربعا
أبشر بطول سلامة يا مربع.
كنت أحدث بناتي ومن حولي أن أرقام القتلى سيرتفع من الآحاد إلى العشرات إلى المئات إلى الآلاف إلى عشرات الالآف إلى مئات الآلاف ثم سيقفز الحاجز المليوني، وقد وصل. ولن يبقى حجر على حجر في سوريا، ولكن في النهاية تنتصر الشعوب ويذهب الطغاة إلى مزبلة التاريخ غير مأسوف عليهم، لعنوا في الحياة الدنيا ويوم القيامة هم من المقبوحين.
على كل حال لو حدث أن قتل فيصل القاسم فسوف يكون موقظا للوعي أكثر، فليس مثل دم الشهداء سمادا لشجرة الحرية. وبالمناسبة فإن الربيع العربي هو في أوله أو موجته الأولى، ولسوف ترتد موجة جديدة أشد هولا وإيقاعا من التي مرت، وتم احتواؤها بالزمر الفاشية القديمة. الموجة الجديدة سوف تكنس الأرض من طغاة العالم العربي بدون رحمة وسوف تعلمون.
ولا تحسبن الله غافلا عما يفعل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار مهطعين مقنعي رؤوسهم لا يرتد إليهم طرفهم وأفئدتهم هواء.