محمد اليوبي
أصدرت المحكمة التجارية بالدار البيضاء حكما يقضي بالتصفية القضائية لشركة «درابور»، بسبب الأزمة المالية التي تتخبط فيها منذ توقف أنشطتها بسبب عدم تجديد الرخص التي كانت تستغلها لجرف رمال الشواطئ وبيعها بطريقة غير قانونية.
وتعتبر شركة «درابور» من أكبر الشركات المتخصصة في جرف الموانئ بالمغرب، وكانت مقاولة عمومية في ملكية الدولة وتحت وصاية وزارة التجهيز منذ تأسيسها في سنة 1984 قبل خوصصتها في سنة 2007، في عهد وزير التجهيز الأسبق، الاستقلالي كريم غلاب، حيث تم اقتناؤها من طرف شركة «ساطرامارين» التي كان يملكها الملياردير الراحل، الحسين جاخوخ، وبلغت قيمة صفقة التفويت مبلغ 327,6 مليون درهم.
وخلص التقرير المقدم من طرف «سنديك» التسوية القضائية لشركة «درابور»، إلى أن وضعية الشركة مختلة بشكل لا رجعة فيه نتيجة توقف نشاطها، وذلك راجع لعدم قدرة الشركة على أداء أجور المستخدمين لمدة 23 شهرا بسبب توقف الأبناك عن التمويل، وصعوبة في استخلاص مبلغ 13 مليونا الذي لازال بذمة الوكالة الوطنية للموانئ، بالإضافة إلى عدم توفير مبلغ 12 مليون درهم من طرف البنك المغربي للتجارة الخارجية المتعلق بالصفقات الممولة سابقا، وعدم تجديد الرخص مع وزارة التجهيز بالعديد من الموانئ وتوقف معاملاتها مع شركة «درابور»، ملتمسا، تبعا لذلك، الحكم بتحويل مسطرة التسوية القضائية المفتوحة في حق الشركة إلى تصفية قضائية.
ودخل ورثة الراحل الحسين جاخوخ طرفا في الدعوى، على اعتبار أنهم مساهمون بشركة «ساطرامارين»، وأكدوا أنهم الملاك الحقيقيون لأغلبية الأسهم التي تشكل رأسمال هذه الشركة بنسبة 99.99%. وطالب ورثة جاخوخ بتأجيل التصفية القضائية بدعوى أن رئيس المقاولة المخول له حل هذه المشاكل كان غائبا باستمرار عن الشركة لتواجده بالخارج، فضلا عن عدم إمكانية البت بشأن فتح مسطرة التصفية القضائية، إلا بعد استماعها لرئيس المقاولة أو استدعائه قانونيا للمثول أمام غرفة المشورة، وأشاروا إلى أن منصب رئيس المقاولة شاغر، لذلك يتعين انتظار انعقاد الجمعية العمومية للشركة، وتعيين الأعضاء الجدد ومنحها مهلة لإعداد مخطط الاستمرارية، لما في ذلك من مصلحة للدائنين والعمال.
وخلافا لذلك، طالب دفاع عمال الشركة بتحويل مسطرة التسوية القضائية إلى التصفية القضائية، على اعتبار أن المتدخلين لا مصلحة لهم في إرجاء البت في تحويل مقترح التسوية إلى تصفية قضائية من أجل ربح الوقت والمماطلة وكذا في غياب أي مقترح إيجابي لتسهيل عملية أداء الديون التي في ذمة شركة «درابور»، خاصة وأن الديون المطالب بها ذات طبيعة الامتياز والمتمثلة في عدم تمكين مستخدمي الشركة من أجورهم وكذا من التعويضات الناتجة عن الطرد التعسفي المستحقة والثابتة بمقتضى قرارات استئنافية نهائية.
وأدلى سنديك التسوية القضائية بتقرير خلص من خلاله إلى أن وضعية شركة «درابور» مختلة بشكل لا رجعة فيه نتيجة توقف نشاطها، مشيرا إلى أن الشركة سجلت خسارة بمبلغ يفوق 77 مليون درهم خلال سنة 2021، وخسارة مالية في سنة 2022 بمبلغ يفوق 78 مليون درهم، بسبب حجم مصاريف الاستغلال القارة التي لا تتلاءم مع حجم وانخفاض رقم المعاملات، بالإضافة إلى المشاكل التي تعرفها الشركة من جراء عدم تجديد الرخص وتوقف معاملاتها مع وزارة التجهيز بالعديد من الموانئ.
وأكد التقرير أنه لا يمكن للشركة أن تستمر، وذلك لانعدام الآفاق المستقبلية، وأنه لا يمكن إعداد أي مخطط لاستمرارية الشركة على اعتبار أن الوضعية المالية التي تعرفها الشركة مختلة بشكل كبير، نظرا لحجم الديون المصرح بها بعد تحويل مسطرة الإنقاذ إلى تسوية قضائية والتي بلغت ما مجموعه 258 مليون درهم، فضلا عن الوضعية الاجتماعية المتردية للشركة نتيجة عدم أداء مستحقات المستخدمين والعمال لمدة 23 شهرا.
وخلصت المحكمة إلى أن استمرارية المقاولة في ممارسة نشاطها في إطار يضمن حماية جميع المصالح المتواجدة تعد من أهم أهداف القانون، وتشكل أحد الحلول الثلاثة المنصوص عليها في مدونة التجارة التي وضعها المشرع أمام المحكمة المعروض عليها تقرير «السنديك» المنجز في إطار إعداد الحل، وأشارت إلى أنه لا يمكن للمحكمة أن تقرر استمرارية المقاولة إلا إذا توفر شرطان أساسيان هما أن تكون إمكانيات جدية لتسوية أو تصحيح وضعية المقاولة المتعثرة، وأن تكون إمكانيات جدية كذلك لسداد خصوم المقاولة.
وحسب منطوق الحكم، فإنه لتقرير الاستمرارية لابد من وجود إمكانيات جدية لتسوية وضعية المقاولة وسداد الخصوم وهو الأمر الذي لا يتوفر في نازلة الحال، خاصة بعد أن أكد «السنديك»، في تقريره المتعلق بالموازنة المالية والاقتصادية والاجتماعية للمقاولة، بأن نشاط شركة «درابور» متوقف بصفة نهائية، وأنها تعاني من صعوبات مالية ناتجة عن حجم مصاريف الاستغلال القارة التي لا تتلاءم مع حجم وانخفاض رقم المعاملات بالشركة، بالإضافة إلى المشاكل التي تعرفها الشركة من جراء عدم تجديد الرخص وتوقف معاملاتها مع وزارة التجهيز بالعديد من الموانئ، علاوة على أن الشركة تعرف وضعية اجتماعية مزرية نتيجة عدم أداء أجور العمال لمدة 23 شهرا وعدم أداء مستحقات صناديق التقاعد والتأمين. وأكدت المحكمة أنه لا توجد بالملف أو بتقرير «السنديك» أي معطيات مالية واقتصادية أو اجتماعية تعطي صورة إيجابية عن مستقبل الشركة وتفيد بأن المقاولة تتوفر على إمكانيات جدية من أجل الاستمرار وسداد الديون المترتبة بذمتها.
وخلصت المحكمة إلى أن عدم توفير الإمكانيات اللازمة لاستمرارية المقاولة بسبب وضعيتها المالية الميؤوس منها يبرر الحكم بتصفيتها عملا بأحكام المادة 651 من مدونة التجارة التي تنص على فتح مسطرة التصفية القضائية إذا تبين أن وضعية المقاولة مختلة بشكل لا رجعة فيه، وبناء عليه أصدرت المحكمة حكما يقضي بتحويل التسوية القضائية إلى تصفية قضائية.