الجهوية المتقدمة ومعيقات التنزيل
جهات بدون اختصاصات واضحة وبرامج ومخططات تنموية معطوبة
شهدت الفترة من سنة2011 إلى 2015 تكريس المبادئ الدستورية للجهوية المتقدمة، حيث نص الدستور في فصله الأول على أن التنظيم الترابي للمملكة تنظيم لامركزي يقـوم على الجهوية المتقدمة. وتفعيلا للمبادئ الدستورية، تم سنة 2015 إصدار ثلاثة قوانين تنظيمية، تهم الجماعات الترابية بمستوياتها الثلاثة، منحت لها صلاحيات جديدة وواسعة. وشكلت الفترة من 2015 إلى 2018 مرحلة تأسيسية في مسار الجهوية المتقدمة لتزامنها مع إحداث وتفعيل مختلف هياكل مجالس الجهات، واستكمال إصدار النصوص التطبيقية للقوانين التنظيمية الثلاثة المتعلقة بالجماعات الترابية، فضلا عن إصدار الميثاق الوطني للاتمركز الإداري الذي شكل دعامة أساسية لإنجاح هذا الورش. لكن التنزيل شابته العديد من الاختلالات والأعطاب، سبق أن رصدها المجلس الأعلى للحسابات في تقرير يتعلق بالمهمة الموضوعاتية حول تفعيل الجهوية المتقدمة. وقد همت هذه المهمة تقييم التقدم المحرز في تفعيل الجهوية المتقدمة بما في ذلك الشق المتعلق باللاتمركز الإداري، مع التركيز في المرحلة الأولى، على الجهات بالنظر إلى مكانة الصدارة التي تحتلها بالنسبة للجماعات الترابية الأخرى في إعداد المخططات والبرامج. وشملت المهمة الإطار القانوني والمؤسساتي للجهوية المتقدمة، وآليات تفعيلها والموارد المرصودة للجهات لجعلها أقطابا اقتصادية ورافعة للتنمية المستدامة، وكذا اختصاصات الجهات الذاتية والمشتركة والمنقولة، حيث رصد التقرير جملة من الاختلالات تعترض تفعيل هذه الاختصاصات على أرض الواقع.
إعداد: محمد اليوبي
مجالس الجهات.. حجر الزاوية في تنزيل الجهوية المتقدمة
يرتكز تنزيل الجهوية المتقدمة على مجموعة من الأسس القانونية والمؤسساتية، أبرزها دستور 2011 الذي نص على مبدأ الجهوية كإطار لإعادة تنظيم الدولة. وتم إصدار مجموعة من القوانين التنظيمية التي تؤطر عمل الجهات وصلاحياتها، أهمها القانون التنظيمي رقم 111.14 المتعلق بالجهات، والذي يحدد اختصاصاتها الذاتية والمشتركة والمنقولة. كما ينص هذا الإطار القانوني على ضرورة التعاون بين الدولة والجهات، لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
ويستند تنزيل الجهوية المتقدمة إلى مبادئ الشفافية، المسؤولية، والتشاركية. وتم إنشاء مجالس جهوية منتخبة تتمتع بصلاحيات واسعة تشمل إعداد وتنفيذ برامج التنمية الجهوية، تدبير الموارد الطبيعية، وتشجيع الاستثمار. هذه المجالس تعمل أيضا على التنسيق مع الحكومة المركزية، القطاع الخاص، والمجتمع المدني لضمان تكامل الجهود وتحقيق الأهداف المشتركة.
وعلى الرغم من التقدم الذي تحقق في هذا المجال، يواجه تنزيل الجهوية المتقدمة تحديات عدة. ومن بين هذه التحديات، عدم التوازن بين الجهات من حيث الموارد والقدرات، حيث ما زالت بعض الجهات تعاني من ضعف في البنية التحتية، ونقص في الكفاءات البشرية المؤهلة. كما أن هناك تأخيرا في نقل بعض الاختصاصات والموارد المالية من الدولة إلى الجهات، مما يعيق تحقيق استقلالية هذه الأخيرة. بالإضافة إلى ذلك، يتطلب نجاح هذا المشروع تطوير نظام معلوماتي متكامل، يمكن الجهات من متابعة تنفيذ برامجها وتقييم آثارها.
وتلعب مجالس الجهات في المغرب دورا حيويا في تنزيل مشروع الجهوية المتقدمة، الذي يعد من أبرز الإصلاحات المؤسساتية في البلاد. يُعبر هذا المشروع عن رؤية استراتيجية تهدف إلى تعزيز التنمية المحلية وتقوية اللامركزية، بما يتيح للمواطنين المشاركة الفعالة في اتخاذ القرارات المتعلقة بشؤونهم المحلية.
ومجالس الجهات، باعتبارها المؤسسات المنتخبة على المستوى الجهوي، تعد الركيزة الأساسية لتنفيذ هذا النموذج. فهي مسؤولة عن وضع وتنفيذ السياسات التنموية التي تأخذ بعين الاعتبار الخصوصيات الاجتماعية والاقتصادية لكل جهة. يتمثل دورها في التخطيط الاستراتيجي وتحديد الأولويات التنموية، مع التركيز على تقليص الفوارق المجالية وتحقيق التوازن في توزيع الموارد.
بالإضافة إلى ذلك، تتمتع هذه المجالس بصلاحيات موسعة بموجب القوانين التنظيمية، ما يمنحها القدرة على تدبير مجموعة من القطاعات الحيوية كالتعليم، والصحة، والبنية التحتية، والنقل. كما تعتبر شريكا رئيسيا للحكومة المركزية في تنفيذ البرامج الوطنية على المستوى الجهوي، حيث تسهم في تكييف هذه البرامج مع احتياجات السكان المحليين، وتعمل مجالس الجهات أيضا على تعزيز الديمقراطية المحلية، من خلال تشجيع مشاركة المواطنين والمجتمع المدني في صياغة السياسات العمومية. ويتم ذلك عبر آليات الحوار والتشاور التي تُتيح للمواطنين فرصة المساهمة في تحديد الأولويات ومتابعة تنفيذ المشاريع.
ورغم التحديات التي تواجه تنزيل الجهوية المتقدمة، مثل ضعف الموارد المالية والبشرية والتنسيق بين مختلف الفاعلين، فإن الجهود مستمرة لتعزيز قدرات هذه المجالس وتوفير الدعم اللازم لها. تُعتبر الجهوية المتقدمة وسيلة لتحقيق التنمية المستدامة وتعزيز التماسك الاجتماعي في المغرب، ومجالس الجهات هي المحرك الرئيسي لتحقيق هذا الطموح الوطني.
تداخل بين الاختصاصات المشتركة والاختصاصات الذاتية للجهات
أفاد التقرير السنوي للمجلس الأعلى للحسابات بأن اللجان الموضوعاتية بين المؤسساتية، المحدثة من طرف وزارة الداخلية، حصرت 18 مجالا ضمن الاختصاصات الذاتية للجهات وثلاثة مجالات ضمن الاختصاصات المشتركة تتطلب تدخًلا تشريعًيا أو تنظيميا لتحديد نطاق هذه الاختصاصات أو حدود تدخل مختلف الفاعلين العموميين لتدارك تداخل مهامهم مع اختصاصات الجهات.
غير أنه، وباستثناء مشروع المرسوم المتعلق بإعداد تصميم النقل داخل الدائرة الترابية للجهة، الذي يوجد قيد الدراسة على مستوى وزارة الداخلية، لم يتم بعد حصر جميع النصوص القانونية المتعلقة بمجالات تدخل القطاعات الوزارية ذات الصلة باختصاصات الجهات، التي تقتضي التتميم أو التعديل في إطار الملاءمة التشريعية والتنظيمية.
جدير بالذكر أنه، في إطار أشغال هذه اللجان، تم إعداد مسودة الأجندة التشريعية والتنظيمية، التي حددت مجموعة من السيناريوهات المتعلقة بالتدخل التشريعي أو التنظيمي على مستوى النصوص القطاعية وكذا على مستوى القانون التنظيمي المتعلق بالجهات ونصوصه التطبيقية، غير أنه، وإلى غاية شهر أكتوبر 2024، لم يُحسم بعد في التوجه الذي سيتم اعتماده بالنسبة لكل اختصاص وتحديد النصوص التشريعية والتنظيمية التي سيتم تعديلها أو ملاءمتها، ذلك أن مشروع هذه الأجندة لا يزال قيد الدراسة من طرف اللجان الموضوعاتية.
وتستلزم هذه المرحلة التنسيق الوثيق مع القطاعات الوزارية المعنية لضمان انخراطها الكامل في ورش الملاءمة التشريعية والتنظيمية، بهدف تسريع تفعيل اختصاصات الجهات الذاتية والمشتركة، وإيجاد حلول فعالة للإشكاليات المرتبطة بها، وذلك في أفق تعديل القوانين التنظيمية للجماعات الترابية عند الاقتضاء.
ويُشكل اللاتمركز الإداري دعامة أساسية للجهوية المتقدمة، إلا أن ترسيخ ثقافة نقل الاختصاصات التقريرية من المركز إلى المستوى الترابي يتطلب بذل المزيد من الجهود، وذلك من خلال الإسراع في تجسيد الميثاق الوطني للاتمركز الإداري على أرض الواقع. في هذا السياق لم يتجاوز معدل إنجاز خارطة الطريق المتعلقة بالميثاق المذكور 36 بالمائة إلى غاية منتصف أكتوبر 2024، مقابل 32 بالمائة خلال الفترة نفسها من سنة 2023، فيما تبقى وتيرة نقل وتفويض الاختصاصات ذات الأولوية، المتعلقة بالاستثمار، إلى المصالح اللاممركزة، غير كافية، حيث لم تتجاوز نسبتها، حسب جواب رئاسة الحكومة، 38 بالمائة في منتصف أكتوبر 2024، وجرى تفويض 19 اختصاصا فقط من أصل 50.
وفي ما يتعلق بتوزيع هذه الاختصاصات حسب القطاعات، وحسب معطيات الوزارة المنتدبة المكلفة بالانتقال الرقمي وإصلاح الإدارة، بلغت نسبة نقل أو تفويض الاختصاصات 100 بالمائة في قطاعات الداخلية والفلاحة، والتنمية المستدامة والسياحة، و80 بالمائة في قطاع النقل واللوجستيك. في المقابل لم يتم بعد نقل أو تفويض أي اختصاص من طرف سبعة قطاعات حكومية (الاقتصاد والمالية، والتجهيز والماء، والأمانة العامة للحكومة، والمياه والغابات، والانتقال الطاقي، والصحة والحماية الاجتماعية والصيد البحري)، حيث لا تزال وضعية هذه الاختصاصات إما في طور التفويض أو غير مفوضة بعد.
ويرجع هذا إلى تأخر إصدار النصوص القانونية اللازمة لنقل أو تفويض بعض الاختصاصات، حيث يتطلب التفويض مراجعة أو إعداد أو إصدار بعض النصوص التشريعية والتنظيمية، من قبيل النصوص التطبيقية للقانون رقم 08.22 المتعلق بإحداث المجموعات الصحية الترابية، وذلك لتفويض الاختصاصات المرتبطة بمنح التراخيص لمزاولة بعض المهن في مجال الصحة، أو تعديل المرسوم الملكي رقم 330.66 الصادر بتاريخ 21 أبريل 1967 المتعلق بسن نظام عام للمحاسبة العمومية؛ أو إصدار المرسوم المتعلق بالمياه المخصصة للاستعمال الغذائي، وكذلك تأخر إحداث التمثيليات الإدارية القطاعية أو المشتركة على المستوى الجهوي، مما أدى إلى تأخير تفويض بعض الاختصاصات لهذه التمثيليات، سيما في مجالات الصيد البحري والانتقال الطاقي، بالإضافة إلى عدم توفر المصالح اللاممركزة على الكفاءات اللازمة لتدبير القرارات المشمولة بالتفويض، حسب إفادات القطاعات الوزارية المعنية.
واعتبر المجلس أن إحداث التمثيليات الإدارية المشتركة للدولة أصبح ضرورة ملحة لإنجاح الجهوية، وأوضح التقرير أن الميثاق الوطني للاتمركز الإداري يعتبر إحداث التمثيليات الإدارية المشتركة أولوية لتفعيل الجهوية المتقدمة، وتهدف هذه التمثيليات إلى تحقيق وحدة عمل مصالح الدولة على المستويين الجهوي والإقليمي، وتنميط مناهج عملها، وحسن التنسيق بينها وتحسين فعالية أدائها، والارتقاء بجودة الخدمات العمومية التي تقدمها، فضلا عن ترشيد النفقات العموميـة.
إلا أنه، وإلى حدود منتصف شهر أكتوبر 2024، لم يتم إحداث التمثيليات الإدارية المشتركة بين القطاعات الوزارية على مستوى الجهة، وذلك بالرغم من مصادقة لجنة اللاتمركز الإداري على إحداث خمس تمثيليات جهوية للدولة (مديريتان جهويتان قطاعيتان وثلاث مديريات جهوية مشتركة) ونقل الاختصاصات التقريرية إليها.
وتعزى هذه الوضعية، حسب التقرير، إلى تأخر في إعداد مشاريع المراسيم المتعلقة بتحديد اختصاصات وتنظيم هذه المديريات. فقد تم، إلى غاية منتصف شهر أكتوبر 2024، توجيه مشروعين إلى الأمانة العامة للحكومة يتعلقان بإحداث وتحديد اختصاصات وتنظيم كل من المديرية الجهوية للسياحة والصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني والشباب والثقافة والتواصل (25 اختصاصا تقريرياً) والمديرية الجهوية للإنتاج الصناعي والاستخراجي والخدماتي والإدماج الاقتصادي (68 اختصاصا تقريرياً). في المقابل لاتزال باقي مشاريع المراسيم في طور الإعداد من طرف القطاعات المعنية أو في طور التوافق حول مقتضياتها.
علاوة على ذلك لم يتم اتخاذ أي إجراء بخصوص إحداث التمثيليات الإدارية المشتركة بين القطاعات الوزارية على مستوى العمالات والأقاليم، سيما إعداد مشاريع القرارات المشتركة لتحديد تنظيمها واختصاصاتها.
ترسيخ تدريجي لدور الجهات في مجال التنمية الاقتصادية والاجتماعية
أنجز المجلس الأعلى للحسابات تقريره الموضوعاتي، حول تفعيل الجهوية المتقدمة، وسجل أهمية الأشواط التي قطعها مسار تفعيل الجهوية المتقدمة، والذي تميز على الخصوص بالترسيخ التدريجي لدور الجهات كفاعل محوري في مجال التنمية الاقتصادية والاجتماعية المندمجة والمستدامة، وكشريك استراتيجي للدولة في تنفيذ المشاريع التنموية.
وحسب تقرير المجلس، فقد شكل تسريع وتيرة تفعيل الجهوية المتقدمة إحدى أولويات الفترة 2021-2026، بهدف نقل اختصاصات واسعة من الدولة إلى الجهات، بالتوازي مع تحويل الموارد المالية والبشرية الكافية لذلك، لضمان استقلالية الجهات في التدبير المالي والإداري، وجعلها قطبا تنمويا حقيقيا، ورافعة للتنمية البشرية والارتقاء الاجتماعي، وشريكا أساسيا للدولة.
وواصلت السلطات العمومية تنفيذ الأوراش الاستراتيجية الهادفة إلى تسريع تفعيل الجهوية المتقدمة من خلال مجموعة من الإصلاحات القانونية والمؤسساتية المرتبطة باللامركزية واللاتمركز الإداري، بالإضافة إلى تخصيص موارد وآليات متجددة لمواكبة الجهات في تفعيل اختصاصاتها ودعم قدراتها التدبيرية.
ففي ما يخص الإطار القانوني للجهوية المتقدمة، تم بتاريخ 2 نونبر 2023، إصدار المرسوم رقم 2.22.475 بتحديد مسطرة إعداد برنامج التنمية الجهوية وتتبعه وتحيينه وتقييمه، والذي تم بموجبه نسخ أحكام المرسوم رقم 2.16.299، الصادر بتاريخ 29 يونيو 2016، بهدف تحسين منهجية إعداد هذه البرامج وضبط آجالها القانونية وضمان دقة محتواها. ويتضمن هذا المرسوم تصنيفا للمشاريع المدرجة في برامج التنمية الجهوية، بحسب الإطار الذي ستنجز فيه ومصادر تمويلها، بالإضافة إلى التنصيص على تفعيل دور اللجنة الجهوية للتنسيق، المحدثة تحت رئاسة والي الجهة، خلال مراحل إعداد هذا البرنامج.
وفي ضوء هذه المستجدات القانونية، قامت وزارة الداخلية بالتأشير على الجيل الثاني من برامج التنمية الجهوية للفترة 2022-2027، التي تمت المصادقة عليها من طرف مجالس الجهات الاثنتي عشرة، وقدمت الوزارة لمجالس الجهات الدعم والتأطير اللازمين لإعداد هذه البرامج وتحسين محتواها، من خلال التواصل المباشر مع الإدارات الجهوية المعنية والكتابات العامة للشؤون الجهوية، إلى جانب تنظيم اجتماعات ولقاءات تشاورية على المستوى المركزي.
وفي ما يتعلق بتنفيذ الميثاق الوطني للاتمركز الإداري، الذي يعد ركيزة أساسية لنجاح ورش الجهوية المتقدمة، تضمنت خارطة الطريق المتعلقة بتفعيل مضامينه خمسة محاور، وهي تنظيم القطاعات الوزارية، وآليات التتبع والحكامة، وتدبير الموارد البشرية، والتفويض والتكوين والتواصل.
واستكمالا لتنزيل الإجراءات المبرمجة في هذا الإطار، تم بتاريخ 30 مارس 2023 إصدار مرسوم يتعلق بتفويض السلطة والإمضاء (رقم 2.22.81)، بالإضافة إلى مصادقة مجلس الحكومة، بتاريخ 2 ماي 2024، على مشروع مرسوم بشأن مبادئ وقواعد تنظيم إدارات الدولة وتحديد اختصاصاتها (رقم 2.22.80).
وفي السياق ذاته، وتفاعلا مع التوصيات التي أصدرها المجلس، عقدت اللجنة الوزارية للاتمركز الإداري اجتماعا واحدا خلال الفترة 2023-2024، بتاريخ 19 يونيو 2023. وتم خلال هذا الاجتماع مناقشة تجميع التمثيليات الإدارية المشتركة والقطاعية على المستوى الجهوي، وصودق على إحداث ثلاث تمثيليات مشتركة، وهي المديريات الجهوية للتجارة والإنتاج الصناعي والاستخراجي والإدماج الاقتصادي، والمديريات الجهوية للسياحة والصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني والشباب والثقافة والتواصل، والمديريات الجهوية للتجهيز والبنيات التحتية. بالإضافة إلى ذلك، صودق على إحداث تمثيليتين قطاعيتين، هما المديرية الجهوية للمالية، والمديرية الجهوية للصيد البحري، وقد حددت اللجنة المذكورة أجل سنة لإعداد مشاريع المراسيم الخاصة بتحديد اختصاصات وتنظيم هذه المديريات، إلا أنه وإلى غاية أكتوبر 2024، لم يتم إصدار هذه المراسيم بعد.
وفي إطار تفعيل دور الكتابة العامة للشؤون الجهوية، المنصوص عليه في المادة 33 من ميثاق اللاتمركز الإداري، والتي تتولى مهام التنسيق والتتبع والمواكبة اللازمة لمساعدة والي الجهة في ممارسة صلاحياته، تم تعيين الكتاب العامين للشؤون الجهوية، على مستوى الجهات الاثنتي عشرة، من قبل وزير الداخلية.
وبخصوص ممارسة الجهات لاختصاصاتها الذاتية والمشتركة، أطلقت وزارة الداخلية، بتنسيق مع جمعية جهات المغرب، ورشة تشاورية مع القطاعات الوزارية ومجالس الجهات بهدف تحديد الإشكاليات المطروحة، سيما في ما يتعلق بممارسة الجهات لاختصاصاتها الذاتية والمشتركة، وقد تم تشكيل لجان موضوعاتية بين وزارية، منذ 2017 تهدف إلى تحديد الآليات الإجرائية لتفعيل ممارسة الجهة لبعض الاختصاصات، واقتراح النصوص التي تحتاج إلى تعديل أو تتميم في إطار الملاءمة التشريعية، إضافة إلى النظر في مسودة مشروع المرسوم المتعلق بتحديد مسطرة إعداد تصميم النقل الجهوي. واستأنفت هذه اللجان، خاصة لجنة التنمية الاقتصادية ولجنة النقل ولجنة التكوين المهني والشغل ولجنة البيئة، أعمالها اعتبارا من مارس 2023.
وإعمالا لمبدأي التدرج والتمايز بين الجهات عند نقل الاختصاصات من الدولة إلى الجهات، تعمل وزارة الداخلية على إعداد نظام لتقييم مردودية الجهات، سيمكن من تصنيف الجهات على أساس أدائها في بعض المجالات، من بينها ممارسة الاختصاصات.
وبالنسبة إلى الموارد المالية المرصودة من قبل الدولة لصالح الجهات، استمر المنحى التصاعدي للمساهمات المخصصة من الصندوق الخاص لحصيلة حصص الضرائب المرصودة للجهات، إذ ارتفعت من 3,79 مليارات درهم في سنة 2016 إلى 8,79 مليارات درهم في سنة 2023، وفقا لبيانات الوزارة المنتدبة المكلفة بالميزانية. وبلغ إجمالي الموارد المحولة من قبل الدولة حوالي 52,76 مليار درهم خلال الفترة من فاتح يناير 2018 إلى متم يوليوز 2024. واشتملت الموارد على حوالي 53 في المائة من حصيلة الضريبة على الشركات والضريبة على الدخل، مقابل 41 في المائة للمخصصات المالية من الميزانية العامة للدولة، و6 في المائة من حصيلة الرسم على عقود التأمين.
وجدير بالذكر بأن المادة 188 من القانون التنظيمي المتعلق بالجهات (رقم 111.14) حددت كهدف زيادة الموارد المرصودة من طرف الدولة للجهات، لتصل إلى 10 مليارات درهم بحلول سنة 2021. في هذا السياق، ووفقا لبيانات الوزارة المنتدبة المكلفة بالميزانية، بلغت هذه الموارد خلال سنة 2021 حوالي 9,1 مليارات درهم، مقابل 8,71 مليارات درهم في سنة 2023، مما يمثل نسبة تقارب 87 في المائة من الهدف المنشود، دون احتساب موارد صندوق التضامن بين الجهات التي بلغت 5,74 مليارات درهم خلال الفترة الممتدة من 2018 إلى يوليوز 2024.
بوعيدة: يجب تفعيل اختصاصات الجهات في المرحلة الحالية من الجهوية المتقدمة
أكدت رئيسة جمعية جهات المغرب، مباركة بوعيدة، يوم الجمعة الماضي بطنجة، أن المرحلة الحالية من الجهوية المتقدمة يجب أن تكون مرحلة التفعيل لكسب رهان النهوض بالتنمية المجالية.
وأبرزت بوعيدة في كلمة خلال الجلسة الافتتاحية للنسخة الثانية للمناظرة الوطنية للجهوية المتقدمة، المنظمة تحت الرعاية السامية للملك محمد السادس، تحت شعار “الجهوية المتقدمة بين تحديات اليوم والغد”، أن مؤسسة الجهة يتعين أن تضطلع بمهامها، وتدبير شؤونها، وممارسة اختصاصاتها على النحو الأمثل.
وذكرت بأن الجهة تعتبر فضاء حيويا ومصدرا مهما لإحداث الثروة المادية وتحقيق التنمية المندمجة، مستشهدة في هذا الصدد بمخرجات النموذج التنموي الجديد، الذي جعل اللاتمركز الإداري، وتعزيز ورش الجهوية المتقدمة، لبنة أساسية للاستجابة للانتظارات وكسب مختلف التحديات.
وأشارت، في هذا الصدد، إلى أن ورش الجهوية المتقدمة يأتي تتويجا لمسار متدرج، وتكريسا للديمقراطية المحلية، باعتباره استراتيجية حاسمة في تطوير البناء المؤسساتي، والنهوض بالتنمية المجالية، منوهة بمخرجات النسخة الأولى من المناظرة الوطنية للجهوية المتقدمة التي رصدت مكتسبات مهمة في هذا المجال.
وتابعت بوعيدة أن المستويات الترابية الثلاثة (الجماعات، والأقاليم، والجهات)، ارتقت بالجهة كفضاء ترابي ملائم لضمان التقائية السياسات العمومية، داعية إلى كسب رهان تكوين الموارد البشرية، والنخب المحلية، بما يسهم في تعزيز جاذبية الاستثمارات، ومواجهة الأزمات، من قبيل الإجهاد المائي، والتنقل والنقل المستدامين، والانتقال الرقمي.
وبعدما دعت إلى استحضار مختلف هذه التحديات لتدعيم مسلسل الجهوية، أبرزت الحاجة إلى إعمال النقاش وفق مقاربة تشاركية مع مختلف الفاعلين الترابيين، والأكاديميين، وفعاليات المجتمع المدني، لبلورة مختلف السيناريوهات الكفيلة بتجويد والرقي بورش الجهوية، لمواجهة تحديات اليوم والغد.
ومن جهته، أكد رئيس مجلس جهة طنجة-تطوان-الحسيمة، عمر مورو، أن التنمية المنشودة من الجهوية المتقدمة تقاس أساسا بمدى تنفيذ المخططات والبرامج والمشاريع على أرض الواقع. وقال مورو إن “التنمية المنتظرة من الجهوية المتقدمة، تقاس أساسا، بمدى تحقيق وتنفيذ المخططات والبرامج والمشاريع، التي يتم اقتراحها، والتداول بشأنها، في مجالس الجهات، على أرض الواقع، ليحس بها المواطن، من خلال تحسين ظروفه اليومية، المتمثلة في التنقل، والتعلم، والصحة، والعمل وغير ذلك”.
وأضاف أن مخرجات هذه المناظرة، يعول عليها كثيرا لإيجاد الحلول الواقعية والعملية والبرغماتية، لجعل مجالس الجهات أجهزة فعالة، وشريكا أساسيا للدوائر الحكومية، في تنزيل البرامج القطاعية، على المستوى الترابي، في احترام تام للخصوصيات الطبيعية، والمجالية والاجتماعية والثقافية، لمختلف جهات المملكة.
وفي هذا الصدد، أكد مورو أن تقييم هذا الورش الكبير للجهوية المتقدمة، في ولايته الانتدابية الثانية، يتعين أن يفضي إلى سبل تمكن الجهات من تثمين المكتسبات ورفع التحديات، حتى تقوم بدورها الدستوري والتنموي كاملا، للمضي قدما في مسلسل ديمقراطية القرب، والديمقراطية التشاركية، كخيارات استراتيجية ما فتئ صاحب الجلالة الملك محمد السادس يوصي بالعمل من أجلها.
وسجل أن برنامج الورشات الست التي ستمتد على مدى يومين، تتضمن مواضيع تحظى بالأهمية والراهنية القصوى، نظرا لارتباطها بالأسئلة والإشكالات التي تلازم ممارسة الجهات لاختصاصاتها، مشيرا إلى أن الأمر يتعلق برهانات النهوض بجاذبية المجالات الترابية، وبتشجيع الاستثمار المنتج، في ظل مكتسبات الجهوية المتقدمة، وتوصيات النموذج التنموي الجديد، والاختيارات القطاعية الاستراتيجية للحكومة، حتى تتمكن الجهات من تحقيق النمو المنشود، في إطار التكامل بين الجهات.
ثلاثة أسئلة
لمباركة بوعيدة
رئيسة جمعية جهات المغرب
«الرهان موضوع على عاتق الجهات من أجل تنزيل الجهوية المتقدمة»
1-ما هو دور مؤسسات الجهات في تنزيل الجهوية المتقدمة؟
إن مؤسسة الجهة يتعين أن تضطلع بمهامها، وتدبير شؤونها، وممارسة اختصاصاتها على النحو الأمثل، فالجهة تعتبر فضاء حيويا ومصدرا مهما لإحداث الثروة المادية وتحقيق التنمية المندمجة، مستشهدة في هذا الصدد بمخرجات النموذج التنموي الجديد، الذي جعل اللاتمركز الإداري، وتعزيز ورش الجهوية المتقدمة لبنة أساسية للاستجابة للانتظارات وكسب مختلف التحديات. وبالتالي فإن ورش الجهوية المتقدمة يأتي تتويجا لمسار متدرج، وتكريسا للديمقراطية المحلية، باعتباره استراتيجية حاسمة في تطوير البناء المؤسساتي، والنهوض بالتنمية المجالية، منوهة بمخرجات النسخة الأولى من المناظرة الوطنية للجهوية المتقدمة التي رصدت مكتسبات مهمة في هذا المجال.
ومن هذا المنطلق، فإن المستويات الترابية الثلاثة (الجماعات، والأقاليم، والجهات) ارتقت بالجهة كفضاء ترابي ملائم، لضمان التقائية السياسات العمومية، داعية إلى كسب رهان تكوين الموارد البشرية، والنخب المحلية، بما يسهم في تعزيز جاذبية الاستثمارات، ومواجهة الأزمات، من قبيل الإجهاد المائي، والتنقل والنقل المستدامين، والانتقال الرقمي، لذا وجب استحضار مختلف هذه التحديات لتدعيم مسلسل الجهوية، وأبرزت الحاجة إلى إعمال النقاش وفق مقاربة تشاركية مع مختلف الفاعلين الترابيين، والأكاديميين، وفعاليات المجتمع المدني، لبلورة مختلف السيناريوهات الكفيلة بتجويد والرقي بورش الجهوية، لمواجهة تحديات اليوم والغد.
2-ما هي التحديات التي تواجه الجهات في تنزيل الجهوية المتقدمة؟
يجب التأكيد على أن الرهان موضوع على عاتق الجهات من أجل تنزيل الجهوية المتقدمة، وخصوصا في ما يتعلق بعدد من العناصر، بالعودة إلى الرسالة الملكية السامية التي وجهها جلالة الملك محمد السادس للمشاركين في أشغال الدورة الثانية من المناظرة الوطنية للجهوية المتقدمة، فقد أكد جلالته على ضرورة تجاوز عدد من التحديات، وهي التي ترتبط بالحكامة الترابية وتعزيز جاذبية الاستثمار.
هذا بالإضافة إلى ما أشار إليه جلاله الملك، بخصوص تفعيل مبدأ تدبير المخاطر التي تكتسي الطابع المفاجئ، كما أنه يجب تعزيز القدرات على الاستباقية والمرونة، بالإضافة إلى تدبير أزمة الإجهاد المائي، وهي التي تسائل كافة المعنيين بما فيهم الجهات الترابية، والجماعات الترابية مدعوة إلى إطلاق مبادرات أكثر طموحا وابتكارا. كما دعا جلالة الملك في الرسالة الملكية السامية إلى تطوير منظومة النقل والتنقل على المستوى الجهوي، وهناك تحديات وطموحات كبرى تستوجب تطوير منظومة نقل تتمتع بالاستدامة وهذا رهين بمساهمة الجماعات الترابية والجهات. كما أن التحول الرقمى للجماعات الترابية أصبح شرطا لا محيد عنه، والمرحلة الحالية تقتضي اعتماد خارطة طريق لتعزيز الجاذبية.
وبالتالي إجمالا، يمكن القول إن المرحلة الحالية من الجهوية المتقدمة يجب أن تكون مرحلة التفعيل لكسب رهان النهوض بالتنمية المجالية، كما أن ورش الجهوية المتقدمة جاء لتكريس مسار الديمقراطية المحلية، وذلك في إطار استراتيجية حاسمة للنهوض بالبناء المؤسساتي والتنمية المجالية، ومن هذا المنطلق يمكن القول إن الجهة تشكل فضاء حيويا ومصدرا مهما لإحداث الثروة المادية وتحقيق التنمية المندمجة، لافتة إلى مخرجات النموذج التنموي الجديد، «الذي جعل اللاتمركز الإداري، وتعزيز ورش الجهوية المتقدمة، لبنة أساسية للاستجابة للانتظارات وكسب مختلف التحديات»، وفق رأيها.
3 – ما هي الرهانات التي تواجهها الجهات في إطار تنزيل الجهوية المتقدمة؟
إن أهم رهان يواجه تنزيل الجهوية المتقدمة هو تكوين وتأهيل الموارد البشرية، والنخب المحلية، بما يعزز جاذبية الاستثمارات ومواجهة الأزمات، وفي مقدمتها الإجهاد المائي، والتنقل والنقل المستدامان، والانتقال الرقمي، وهي المحاور التي تم نقاسمها في جلسات المناظرة الوطنية الثانية حول الجهوية المتقدمة وقد صدرت بشأنها توصيات، ومن هذا المنطلق فإنه كما أشرت يجب استحضار مختلف هذه التحديات والرهانات، لتدعيم مسلسل الجهوية، وأبرزت الحاجة إلى إعمال النقاش وفق مقاربة تشاركية مع مختلف الفاعلين الترابيين، والأكاديميين، وفعاليات المجتمع المدني، لبلورة مختلف السيناريوهات.
*رئيسة جمعية جهات المغرب