الجديد في عالم الجراحة
بقلم: خالص جلبي
تم تدشين ثلاثة فتوحات علمية في عالم الجراحة في منتهى الخطورة والأهمية، هي تدشين الجراحة العجائبية الجديدة: جراحة بدون جراحين (TELE – SURGERY)، أو الجراحة بالفاكس والاستنساخ الإنساني (CLONING) الذي أوقفوه عن المضي في مسيرته لاعتبارات أخلاقية وقانونية، وجراحة الجينات (GEN-SURGERY) من خلال حقن ثلاثة مليارات خلية كبدية معدلة، بإضافة الجين الناقص إلى مريضة فرنسية من مقاطعة كيبيك في كندا، والمصابة بـ(فرط الكوليسترول العائلي المميت) والمعروف بـ(FH).
هذه أخبار من قمة الوعاء العلمي ورأس حربة اختراق الفضاءات المعرفية الجديدة، في الوقت الذي يفاجئنا بعض مرضانا بعدم قناعتهم إلا بــ(الكي)، وسيلة للخلاص من الألم والمرض.
كان الطبيب الألماني كورت سيم (KURT SEMM) يعمل في عيادته كطبيب أخصائي في أمراض النساء والولادة بمدينة (كيل)، الميناء الشمالي القصي من ألمانيا الغربية، وبينما كان يقوم بعمله المعتاد في نفخ بطن المريضة تحت التخدير كي يدخل المنظار المستخدم لـ(التشخيص)، عثر على زائدة دودية ملتهبة عند مريضته، فانقدحت في ذهنه فكرة جديدة مفادها لماذا لا نستخدم المنظار نفسه أداة للعلاج الجراحي، من خلال إدخال آلات مساعدة للقطع والشفط والحرق الكهربي؟ ولكن هذا يعني أنه سيقوم بعمل الجراح وليس طبيب الأمراض النسائية. تساءل الطبيب (كورت سيم) لماذا لا نستأصل وبالمنظار نفسه الزائدة الدودية الملتهبة، أو الحويصل المراري الفاسد، أو حتى أي عضو تعطل عن العمل ويمكن التخلص منه، ومن خلال فتحات هي فوهات الدخول فقط، طالما هي تحت أعيننا وفي متناول يدنا، بل وتحت التكبير بحيث تراه العين بشكل أفضل؟ كل ما في الأمر هو تطويل أصابع اليدين من خلال منظار إضافي يدخل إلى البطن. كانت الفكرة رائدة وثورية، وترتب عنها عمليا انعطاف نوعي في تاريخ الجراحة.
وجاءت كالعادة ليست من حقل الجراحين بالذات، بل من اختصاص آخر خارج الجراحة العامة، كما حصل مع باستور والأطباء، فباستور كان حتى من خارج الطب تماما، لأنه لم يكن طبيبا ولكنه خدم الطب بأعظم من دفعة أطباء، وجرت القاعدة أن المبدعين والعباقرة يأتون عادة من خارج حقل المهنة. ونظرا لأن الدكتور يمتلك تحت عيادته ورشة عمل، وله صلة بأخيه الذي يسكن في الجنوب والذي يعمل مهندسا في صناعة الآلات الطبية، فكان يقوم بتصميم المناظير وتطويرها باستمرار ويعمل بصمت وفي الظل، حتى استطاع أن يقوم بإنجاز كمية كبيرة من العمليات الجراحية بهذه الطريقة، ثم تقدم إلى مؤتمر الجراحين في ألمانيا لعرض نتائج عمله؛ فقامت قيامة الجراحين من هذا المتطفل على ميدانهم والذي لا يعتبرونه جراحا بالأصل! بل مضى بعضهم إلى المطالبة بمحاكمته على ما اقترفت يداه بحق الجراحة التقليدية، التي أُسست منذ مائة وخمسين عاما! فهرب إلى بريطانيا، حيث سخر منه الجراحون، بل وزملاؤه أطباء الأمراض النسائية، حيث قال له أحدهم: «لعلك تريد إجراء عملية قيصرية بهذه الطريقة؟».
وهكذا قرر الطبيب المحاصَر أن يهرب من القارة الأوربية العجوز إلى العالم الجديد؛ الولايات المتحدة الأمريكية، حيث تم احتضانه وتبني أفكاره وتطوير أدواته، ثم المباشرة بتطبيق طريقته، ورجع المهاجر إلى وطنه (راغما) قومه، مما جعلهم يتبنون طريقته ويحترمونه.
تعتبر طريقة الدكتور (سيم) انقلابا ثوريا في تاريخ الجراحة الحديثة، لأنها شقت الطريق إلى تطوير الجراحة بشكل نوعي، فهي فتحت باب الجراحة على إمكانيات بدون حدود، لا شقوق ولا ندبات على البطن، والوصول إلى أي مكان لمعالجته، مع خروج سريع من المستشفى، واختصار تكاليف العلاج.
وهكذا فالمنظار يستأصل الحويصل المراري الفاسد والورم المدمر، ويفتح الشريان المغلق، ويغلق الفتق المنسدل. يقطع العصب المريض، ويرتق الأكياس المهترئة. بل وشق الطريق إلى معالم جراحة جديدة لم يكشف اللثام عنها بعد، وهي الجراحة عن بعد (TELE-SURGERY) بما يشبه الريموت كونترول، وهكذا بدأت تجارب في مدينة (كارلسروه) في ألمانيا، على جراحة تجرى بين جراح يبعد عن حقل العملية ثلاثة كيلومترات، من خلال عمل وثيق محكم مع (إنسان صناعي = روبوت) يجري العملية! الروبوت يُسير من قبل الجراح المزود بنظارات خاصة تتمتع بميزة الأبعاد الثلاثية، وهكذا يستطيع رؤية كل ما في جسم الإنسان، من خلال تطوير أجهزة جديدة تلقن بكل المعلومات التفصيلية (الداتا عن البناء الهندسي والوظيفي للجسم الإنساني). إنه أشبه بالسحر وعالم الجان! ولكن إذا استطعنا أن نقوم بإجراء العملية على بعد ثلاثة كيلومترات، فيمكن عن طريق التقنية الإلكترونية المتقدمة أن نجري عمليتنا لمريض على بعد 3000 كلم. وهكذا فالجراح سيجري جراحته بدون أن يلوث يديه بالدم والقيح ومخاطر التهاب الكبد الإنتاني والإيدز، يجري عمليته كما يلعب الطفل بلعبة (الأتاري)، الجراح يجلس في نيويورك والمريض في تايلاند، بل إن العالم السويسري (كريستوف بوركهاردت)، الذي صمم الروبوت لوكالة «ناسا» لارتياد الفضاء، قام الآن بتطوير الروبوت الجديد للعمليات الجراحية، ويطمح العلماء إلى الوصول إلى هذا المستوى من إعطاء الروبوت بكل الداتا المطلوبة، ليقوم بعمليته منفردا.