شوف تشوف

الرئيسية

الجائحة تسرع وتيرة إصلاح نظام الامتحانات وفق القانون الإطار للتربية والتكوين

في ذكرى ثورة الملك والشعب لسنة 2012 أمر الملك محمد السادس بإعادة النظر في نسق التكوين، وذلك في سياق نقد جلالته لمنظومة التربية والتكوين. هذا التوجيه لا يمس فقط طريق التدريس وتضخم المعارف النظرية على حساب المهارات والكفايات، بل يمس أيضا الموقع الذي تحتله الامتحانات في منظومة التربية، والتي أضحت في وقع تضخمت فيه هواجس النقط والمعدلات على حساب جودة التحصيل. والذي يحدث الآن هو أن الجائحة سرعت وتيرة الإقدام على تعديل جذري لهذا النظام.

إلغاء الامتحانات الموحدة لصالح من؟
لقي قرار إلغاء وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي، للامتحان الإشهادي للسنة السادسة ابتدائي، والثالثة إعدادي، إشادة واسعةً في صفوف الأسرة التربوية، التي سبق وأن طالبت منذ فترة باتخاذ هذه الخطوة، نظرا للظروف الاستثنائية التي تمرّ بها البلاد، في ظلّ تفشي فيروس كورونا المستجد، وما ترتّب عنه من عرقلة للعملية التعليمية. هذا القرار الثاني من نوعه فرض على قطاع التربية والتكوين الإسراع بإصلاح نظام الامتحانات لتجاوز مرحلة تحولت فيها الامتحانات إلى غاية لذاتها.
للمرّة الثانية على التوالي، تقرّر وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي إلغاء تنظيم الامتحان الموحد المحلي للسنة النهائية للسلك الابتدائي والسلك الإعدادي، بسبب الظروف الصّحية التي تمر بها البلاد؛ وهو قرار خلّف «ارتياحا» وسط الفاعلين التربويين وعائلات التلاميذ.
ويأتي القرار الوزاري «اعتبارا لمعطيات الحالة الوبائية التي تعرفها بلادنا بارتباط مع جائحة كورونا، وانطلاقا من الحرص على ضمان استمرار تقويم تعلمات التلميذات والتلاميذ طبقا للمبادئ والمرتكزات التي يستند إليها نظامنا التقويمي الوطني القائم على مبدأي تكافؤ الفرص والاستحقاق».
كما يأتي القرار، وفقا لبلاغ وزارة التربية الوطنية، «تبعا لمتطلبات تأمين السلامة الصحية للتلميذات والتلاميذ ومختلف المتدخلين في العمليات ذات الصلة»، مضيفا أنه «تقرر إلغاء إجراء الامتحان الموحد المحلي للسنة النهائية للسلك الابتدائي والسنة النهائية للسلك الثانوي الإعدادي في الموعد المعلن عنه في مقرر تنظيم السنة الدراسية 2020-2021».
قرار اعتماد المراقبة المستمرة لوحدها دون الامتحانات الموحدة في الأسلاك الثلاثة خلف ردود أفعال كثيرة رافضة، لكون هذا القرار سمح بانتقال آلاف التلاميذ لمستويات دون استحقاق، بل ويعطي امتيازات لتلامذة التعليم الخصوصي على حساب تلامذة التعليم العمومي، لكون نسبة كبيرة من الآباء يعتبرون لجوءهم للقطاع الخاص إنما من أجل الحصول على النقط المرتفعة وليس من أجل جودة التعليم. بدليل الفوراق الكبيرة التي تحدث في مئات المؤسسات التعليمية بين نقط المراقبة المستمرة ونقط الامتحانات الموحدة، حيث سبق لتقرير تفتيشي أنجزته المفتشية العامة للشؤون التربوية أن أظهر فوارق صارخة بين نقط المراقبة ونقط الامتحانات الموحدة.
ففي عهد الوزير السابق محمد حصاد تنفس تلاميذ المدرسة العمومية وأسرهم الصعداء بعد صدور مذكرة وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي، التي تعلن فيها اتخاذ عدة قرارات في حق 32 مؤسسة للتعليم المدرسي الخصوصي، ثبت في حقها تخويلها التلميذات والتلاميذ نقطا غير مستحقة في فروض المراقبة المستمرة خلال الموسم الدراسي 2017-2016.
أتت هذه القرارات بعد تعميق البحث وتحليل نتائج امتحانات البكالوريا بهذه المؤسسات التعليمية، والذي أسفر عن تسجيل فروقات في متوسط النقط المحصل عليها من طرف التلميذات والتلاميذ بين مكون المراقبة المستمرة من جهة، ومكوني الامتحان الجهوي والامتحان الوطني من جهة أخرى، تفوق 10 نقط كمتوسط على صعيد المؤسسة ككل.
المذكرة خلفت ارتياحا لدى الأسر المغربية، حيث كشفت عن جانب من الممارسات غير التربوية التي تقوم بها هذه المؤسسات التي من المفروض أنها تربي حس المسؤولية والاجتهاد والنزاهة والتنافس الشريف بين التلاميذ /ت من أجل تحقيق النجاح، فإذا بها تشجع على إنتاج جيل من التلاميذ /ت غير مؤهل علميا لمواجهة دراساته العليا، يجد صعوبة في مواكبتها، مما جعل العديد منهم يعجز عن المواصلة وبالتالي يأخذ في البحث عن اتجاهات أخرى.

النزعة الامتحانية: المعدلات أهم من التعلمات
تضخم المعدلات في السنوات الأخيرة يعكس مشكلة تربوية تتعلق بالنسق التربوي للتعليم المغربي، لكون المعدلات لم تعد تعكس بشكل موضوعي مستوى التعلمات عند التلاميذ. وهذه الحقيقة تكاد تكون موضوع إجماع من طرف أساتذة التعليم العالي بمختلف تخصصاتهم. بدليل أن المئات من التلاميذ الحاصلين على ميزات كبيرة من قبيل «حسن جدا»، وهي أكبر الميزات في امتحانات الباكلوريا لم يتمكنوا من الحصول على مقعد في كليات الطب والصيدلة وأيضا المدارس العليا للمهندسين مما اضطرهم للتوجه إلى المؤسسات الجامعية ذات الاستقطاب المفتوح.
المشكلة التي يتخبط فيها نظام تقويم الامتحانات كانت موضوع إجماع إبان التشخيص الذي خضعت له منظومة التربية والتكوين قبل صدور الرؤية الاستراتيجية. لذلك وضعت هذه الأخيرة من أولوياتها على المستوى التربوي مراجعة هذا النظام للحسم في جدل يدافع فيه طرفان عن موقفين مختلفين. الأول يدعو إلى التخلي عن المراقبة المستمرة نهائيا والاكتفاء بالامتحانات النهائية أو ما يسمى بالامتحانات الإشهادية، والثاني يدعو إلى الاعتماد الكلي والشامل على امتحانات المراقبة المستمرة إسوة بنماذج دولية ألغت امتحانات الباكلوريا نهائيا.
وطالب وزير التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي، سعيد أمزازي، وفق مقطع فيديو تناقله العديد من النشطاء والصفحات على نطاق واسع، بإعادة النظر وإلغاء الامتحانات الإشهادية لنيل شهادة البكالوريا.
وتساءل وزير التربية الوطنية، خلال اجتماع له، عن دور المراقبة المستمرة في عملية تقييم المتعلمين، مؤكدا أن الامتحانات الإشهادية لم تعد موجودة نهائيا. واستشهد أمزازي بنماذج دولية قامت بإلغاء الامتحانات الإشهادية لنيل شهادة البكالوريا، نظير الجارة إسبانيا التي ألغت الامتحانات العامة، مكتفية بالمراقبة المستمرة.
وأثارت تصريحات أمزازي، التي رجت بها شبكات التواصل الاجتماعي، جدلا واسعا، حيث قال أحد النشطاء «إن الحافز الوحيد الذي يدفع المتعلمين للاجتهاد، والآباء لتتبع أبنائهم، والعائق الذي يعرقل استحواذ زبائن القطاع الخاص على أعلى النقط، هو الامتحانات الإشهادية، فإذا تم إلغاؤها مطلقاً، فكَبّر على التعليم ثلاثاً». وأضاف آخر «المشكل الذي لم ينتبه إليه أحد، هو أنه بعد إلغاء الامتحانات الإشهادية، وخاصة بالنسبة للباكالوريا، فإن الرابح الأكبر من هذا الإلغاء هو التعليم الخصوصي». وأعلنت وزارة التربية الوطنية عن قرار إلغاء الامتحان الموحد المحلي للسنة السادسة للسلك الابتدائي، والسنة الثالثة للسلك الإعدادي، للموسم الدراسي الحالي.
واعتبر أمزازي، في مراسلة له موجهة إلى مدراء الأكاديميات والمدراء الإقليميين والمؤسسات التعليمية العمومية والخاصة، والأساتذة، أن قراره يتأسس على معطيات الحالة الوبائية التي يعرفها المغرب بسبب جائحة كورونا، وذلك تبعا لمتطلبات تأمين السلامة الصحية للتلاميذ ومختلف المتدخلين في عملية الامتحان. وأشارت المراسلة ذاتها إلى أن هذا القرار يأتي حرصا على ضمان استمرار تقويم تعليم التلاميذ، طبقا للمبادئ والمرتكزات التي يستند إليها النظام التقويمي الوطني القائم على مبدأ تكافؤ الفرص والاستحقاق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى