شوف تشوف

الرأي

الثورة المضادة 3.3

لقد خسرنا صداقات ومن كان يصلي بجنبنا وكسبنا أكثر منها لأناس لا يصلون، بعد تمييز المنافقين عن المؤمنين. هنا الصلاة والعبادة هي الحرية.

ـ عصر الشعوب بدأ
وهو نور سيعم العالم، سوريا ستغير العالم، إنها عملية تغير ثقافية. إن النفوس تتغير بنار المحنة، الجميع أحجم عن مساعدة هذا الشعب الأسطوري، الذي علم العالم جميعا الصمود والتضحية والإصرار على الإطاحة بنظام جهنمي دموي لا يستحق مكانه إلا في ظلمات التاريخ ومزابل الجغرافيا. إنه يذكر بقصة المزرعة التي رواها أرويل عن ذراري الخنازير، لما استباحوا المزرعة فسخروا الحصان وسرقوا بيض الدجاج وتناسلوا وتناكحوا وجندوا أشرس الكلاب، حتى توحد جميع المطلومين ضدهم فكانت نهايتهم ودفنهم.

ـ ثمن الحرية ومذاقها
ليس ثمة رجعة عن الثورة، إذا عاد الثوار إلى بيوتهم فليس ثمة إلا اثنان: العبودية أو الحرية. أفهم استمرار الناس في الكفاح والمظاهرات وتحمل أقسى ألوان العذابات. سببه الإدمان.. نعم ما يشبه أثر المورفين، الإدمان على الرقص والاحتفالات تحت أزيز الرصاص ورجم المدفعية، فهو مذاق لذيذ لا يعرفه إلا الأحرار. ولسوف نشهد عودة المظاهرات بعد هدوء الأوضاع بشكل أكثر حضارية وتأثيرا، فالأحداث سلسلة سببية كل واحدة تدفع إلى ولادة الأخرى.
شبيه بهذا قصة أثينا وفارس من القرن الخامس قبل الميلاد، فقد جاء في كتاب العبودية لأتيين دي لابواسييه وهو كتيب كتبه شاب في الثامنة والعشرين من العمر قبل خمسة قرون عام 1562م، ولم ير النور في فرنسا إلا بعد 180 سنة وعندنا بعد أكثر من 400 عام (نشرناه في كتاب مستقل بعنوان «فقد المناعة ضد الاستبداد»).
جاء في الكتاب أن أثينا أرسلت رسولين إلى فارس للتعويض. كانت فارس في غزوها لبلاد الإغريق قد أرسلت رسولين يقولان لأهل أثينا: اعطونا الماء والتراب، كناية عن الاستسلام الكامل!
نظر أهل أثينا في بعضهم ولم يصدقوا مثل هذه الوقاحة؛ فقتلوا السفيرين.
ندمت أثينا بعد انتصارها على الجيوش الفارسية الضخمة برا وبحرا في معركة سلاميس، فأرسلت اثنين من المتطوعين يفعل بهما عاهل فارس ما يشاء.
انطلق الرجلان حتى وصلا منطقة الحدود فأكرمهما العامل هناك، ثم التفت إليهما في حفلة عشاء فاخرة وقال: هل لكما أن تصبحا عبيد سيدي؟
التفت رجلا أثينا وضحكا وقالا يبدو أن صاحبنا ومن معهم من عبيد فارس لا يعرفون الحرية بعد!
قالا للحاكم يا صديقنا إننا نشكرك على المائدة العامرة، ولكن يبدو عليكم معشر الفرس أنكم لم تذوقوا الحرية بعد، ولو ذقتموها مرة وعرفتم طعمها قاتلتم عنها بأنيابكم وأظافركم والكوع والبوع، ولكنكم لم تذوقوها بعد.
الشعب السوري ذاق الحرية وفي قناعتي أنه وبعد أن يتحرر سوف ينسى كل التعب، ويبني الجمهورية الفعلية المحررة من الطغيان، وأن كل ثمن للوصول إلى شاطئ الحرية يعدل خروج بني إسرائيل من نير فرعون إلى الأرض المقدسة التي كتب الله لهم أرض الحرية للأحرار.
حسب (كولن ولسن) في كتابه «اللا منتمي» أن رجلا شقيا عوقب بالسير خمسة ملايين كيلومتر، ثم سمح له بدخول الجنة. فلما رأى تلك الكرامة ردد فقال: أنا مستعد أن أعيد العذاب أضعافا مقابل أن أصل إلى هذه الكرامة.

ـ شوق الأمة إلى العدل
حيث العدل فثم شرع الله، والعدل كم قابل للزيادة باضطراد، وعليه فإننا لا نريد دولة إسلامية بل دولة عدل. فلم يظلم الناس في التاريخ بأشد من ظلمات الدولة الدينية. وبقيت محاكم التفتيش تعمل بكامل الطاقة 520 سنة تبعث فيها الناس إلى المحارق، ويزعم فولتير حرق عشرة ملايين امرأة بتهمة السحر. مما دفع البابا يوحنا البولوني الأسبق لوصفها بالجستابو والكي جي بي، ودعا إلى النزول إلى أقبية الفاتيكان لتحري الحقائق في حركة نقد ذاتية غير معهودة.

ـ الاستقلال الفعلي
نحن عمليا لم نستقل، المشكلة هي في الفارق بين الاحتلال الأجنبي الذي يحرض على المقاومة بتباين لون الجلد واللغة والثقافة والدين. الخفي الأعظم بأشد من دبيب النملة في الليل البهيم على صفاة سوداء هو الاستبداد، وهو السرطان الذي ابتلينا به مع عائلة الأسد من فصيلة السنوريات والهررة بمخالب وأنياب.
الفرق بين الاحتلال الخارجي والاستبداد الداخلي يشبه الفرق بين الالتهاب والسرطان في أربع؛ في البدء والمظهر والألم والعلاج؛ فالالتهاب سريع البداية واضح محمر مؤلم وينتهي بسرعة وبعلاج متوفر. السرطان خفي البدء، خفي المظهر، غامض التطور غير مؤلم وإذا كشف متأخرا استحال علاجه.
النظام البعثي سرطاني رهيب ولذا كانت عملية استئصاله نازفة جدا، ورأينا الكلفة عيانا بمصرع مليون وتشريد عشرة ملايين.

ـ إعادة بناء الدولة والمجتمع والأفكار
نحن أمام عملية تبديل دم ثقافي كاملة كما في أمراض الأجنة، الثورة أفرزت الناس والأولويات والأفكار. البعث الخبيث كان قد اغتصب الدولة وارتهن الأمة في جامبو تاريخية. الطاغية وضع البلد في الفريزر (الثلاجة). الآن أمام الثورة الكثير من العمل لإعادة ترميم الدولة وإصلاح المجتمع وولادة الإنسان الجديد، خارج الرشوة وفساد الذمة والتسيب والخوف والجاسوسية والفتك بأقرب الناس إليه. إنه عصر ولادة الإنسان والكف عن استيلاد فصيلة السنوريات وأخذ الحق بالذراع خارج دولة القانون. إنها نهاية دولة المخابرات ووداع الغابة والناب، أو هكذا نأمل.

ـ الثورة الأممية
ما يحدث في سوريا تشارك فيه روسيا والصين واليابان، أي أكثر من ربع الجنس البشري. الروس يقتلوننا بالرصاص والمدفع وطائرات «الميغ»، ولذا فانتصار الثورة في سوريا سيقلب الأوضاع في روسيا. حاليا يتجهز (بوتين) ومعه أمثال (البوطي) بسبعين مليار دولار لصد الهجوم الإسلامي عليه من جمهوريات آسيا الوسطى. ظفر الثورة السورية سيحمل رياح البشائر إلى جبهة الشيشان التي انضم بعض أولادها إلى الثورة السورية، معتبرينها ثورتهم وكفاحهم ضد القيصر بوتين والبوطي والقوزاق. علينا محاسبة النظام القيصري بأشد الحساب، بعد أن ننتهي من أذنابهم وأشياعهم في سوريا (مما عرفنا أن 68 ألف جندي روسي بآلة حرب لحرب عالمية شاركوا في إيقاف الثورة).

ـ ستنتشر الثورة إلى كل البلدان العربية في قليل أو كثير
سيكون هذا خلال السنوات العشر القادمة، بل سيعم نارها حتى أبواب موسكو وول ستريت، لأنها ظاهرة إنسانية نادرة ينتصر فيها شعب صغير على أعتى الديكتاتوريات، وفي ظل سكوت مريب للعالم على المذبحة العارمة.

ـ سيقفز العرب إلى مسرح التاريخ خلال نصف القرن القادم
فالثورة موجات والشعوب عاتية والبدايات غير النهايات. والفرنسيون الذين مشوا مع نابليون وصلوا موسكو ومدريد، والزلزال حين يدمدم تشقق الأرض وتذهب اللافا بعيدا فاخصبت الأرض، وكذلك هو قدر الثورات براكين اجتماعية من ضمير الغيب.
ومن المهم أن نعلم أن الحركات الإسلامية هي أكبر من أحزاب من نموذج إخوان مسلمين وحزب تحرير وصوفية وسلفية، فهناك الاتجاه المعتدل هو الذي سيخرج للسطح براعم متفتحتة. هل ستدخل المنطقة الحداثة وعصر التنوير، أم تنكب على وجهها إلى نظام طالبان وملالي إيران، أم تحتذي بالنموذج التركي والماليزي فترقى؟ التاريخ عنده الخبر وقل كل متربص فتربصوا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى