شوف تشوف

الرأي

التقارب الأوروبي الأمريكي في مواجهة إيران

جمال أكاديري

أدت أطروحة اقتراب إيران، وقدرتها على امتلاك أسلحة نووية، إلى تعزيز وتنسيق مزيد من السياسات الأمنية الخارجية بين أمريكا ودول أوروبا، في مواجهة هذا التهديد الإيراني المنتظر أو المفترض، وكثفت جهودها، بما في ذلك التطويح بالعقوبات الاقتصادية الشديدة، للضغط على إيران، حتى الامتثال الكامل للالتزامات الدولية، بموجب معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية في المنطقة.
وعلى الرغم من اختلاف استراتيجية الاتحاد الأوروبي عن الولايات المتحدة، فقد تركزت، أحيانا، الخلافات بينهما على التكتيكات، والتوقيت، أكثر ما تركزت على الحاجة إلى اتخاذ خطوات قوية، لوقف تقدم إيران نحو النجاح في استيفاء شروط صناعة السلاح النووي .
ومع ذلك، هناك اختلافات مهمة من المنظور الجيوستراتيجي. فالعديد من دول أوروبا مترددة، في المخاطرة بإقحام التدخل العسكري لردع برنامج إيران النووي. فأولويا صادرات تجارة النفط والغاز مهمة للعديد منها، ويرجع ذلك جزئيا إلى شروط الائتمان والتسعير الميسرة، للمواد الخام من الاحتياطي الضخم الراقد في تلك المنطقة الغنية بمثل هذه الثروات الطبيعية.
ولقد حاولت إيران، مرارا، استغلال خطوط الصدع المحتملة، في خريطة العلاقات بين أمريكا وأوروبا؛ لأنها ما زالت بطرقها الدبلوماسية الخاصة تسعى آملة إلى تحقيق شراكة اقتصادية قوية مع أوروبا، طامحة إلى تقويتها في اتجاه سريان بنود اتفاقيات الطاقة والتجارة، التي من شأنها أن تدفع الحصار الاقتصادي، وتكتيك الضغط الأمريكي بعيدا عن مصالحها الحيوية الإقليمية .
وقد مرت سنوات على سلسلة من اللقاءات والمفاوضات المتقطعة، لإقناع إيران بوقف تخصيب اليورانيوم، وتوفير قدر أكبر من الشفافية، في ما يتعلق بأبحاثها النووية، وبعد مدة من المساومات والمراوحات، بدأ المفاوضون الأوروبيون تدريجيا باتخاذ موقف أكثر تشددا، تجاه محاولة انفكاك إيران من الالتزامات الأممية، حتى تشابه هذا الموقف الأوروبي من مناحي معينة، مع أساليب الضغوطات الأمريكية الجارية .
فمثلا، عند خروج إدارة ترامب بما أسمته استراتيجية الضغط الأقصى، بالإضافة إلى القيود الشاملة على البرنامج النووي الإيراني، طامعة حينها، في استقلال عن التعاون الأوروبي، تغيير السياسة الإيرانية الإقليمية بشكل جذري، وعندما شددت العقوبات بشكل مكثف وخانق، لم تعد إيران منذ هذا القرار الأمريكي الأخير، تحترم ما جاء في الاتفاقيات، فزادت من قدرتها على إنتاج اليورانيوم المخصب، ومنعت مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية من الوصول إلى مصانعها، وهكذا استأنفت إيران برنامجها النووي وأصبحت أكثر عدوانية، مما جعل المنطقة أقرب إلى بؤرة توتر قابلة للانفجار في أي لحظة تصادم أو تصعيد بين الأطراف المتفاوضة .
يحافظ الآن، الرئيس الأمريكي الجديد بايدن على الخط الاستراتيجي السابق نفسه للولايات المتحدة، الذي يعارض وصول إيران إلى عتبة صناعة الأسلحة النووية، أو الذي يرفض التخلي عن الرقابة العسكرية اللصيقة المتربصة بأنشطة الصواريخ الباليستية الإيرانية في المنطقة. ويعارض اقتراح إيران بالرفع التدريجي للعقوبات الاقتصادية الثانوية، التي أعيد دمجها منذ سنة2018 من قبل إدارة ترامب .
وأثبت أخيرا هذا التقارب بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، أنه يشكل تحديا دوليا قويا في مواجهة المآلات النووية الإيرانية، في حين أن تباعد الرؤى بين القارتين، يساهم على العكس، في تعزيز طموحات إيران لتكون قوة إقليمية مستقلة نوويا.
والأدهى أن مواقف دول الاتحاد الأوروبي تكيفت لتعكس التخوفات الأمريكية عندما تأكدت لها صحتها، لكن بالمقابل لعبت دورا في محاولة إقناع أمريكا، بالنظر إلى مزايا الحوافز والمرونة في التعامل مع تحركات إيران، والتعاون في هذا الاتجاه، لمتابعة فقط الخيارات الدبلوماسية وضغط العقوبات، وإقصاء إلى حد بعيد شبح الخيارات العسكرية الوقائية، في حال تعنت حكام الجمهورية الإسلامية .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى