شوف تشوف

الافتتاحية

التعليم أكبر من ميزانية

 

مقالات ذات صلة

لا أحد ينكر القفزة النوعية التي عرفتها ميزانية التعليم، حيث إن مشروع قانون المالية لسنة 2023 خصص أزيد من 68 مليار درهم لقطاع التربية الوطنية، أي بزيادة بلغت 6.5 مليارات درهم مقارنة مع سنة 2022. لكن السؤال المطروح هو: هل معضلة تعليمنا تكمن في محدودية الغلاف المالي؟ أم بمعنى أوضح هل الرفع من ميزانية التعليم سيقود حتما إلى تجويد المنظومة التعليمية، في أبعادها الثلاثة، المعلم والمدرسة والتلميذ؟

لا ننسى أن كل الحكومات كانت تتباهى برفع ميزانية التعليم، ونتذكر أن البرنامج الاستعجالي الذي بلغت كلفته 3000 مليار سنتيم، في أفق تأهيل المدرسة العمومية من حيث الموارد البشرية واللوجستيكية، لكن النتيجة كانت بعيدة كل البعد عن الأهداف المسطرة. بل انتهى به المطاف كملف لدى محاكم جرائم الأموال، وبعد انقضاء عشرية الإصلاح، ظهرت حقائق مطابقة للواقع، تفيد بأن دار لقمان ما زالت على حالها.

واليوم الجميع، بدءا من الشخص الأقل تعليما في بلدنا إلى أكبر المفكرين، ومن أصغر عون خدمة في مدرسة إلى الوزير ورئيس الحكومة، يقرون بأن التعليم يعاني من اختلالات بنيوية، وحصل تطابق وجهات النظر في وصف أعراض هذه الاختلالات والأسباب المؤدية إلى ذلك، لكن سيارة الإصلاح ما زالت تمشي بسرعة السلحفاة، ومن الصعب عليها بهذه الوتيرة أن تساير حالة الانهيار والانحدار الذي يعيشه تعليمنا.

إن مشكلة تعليمنا أعمق من ميزانية، وأكبر من ولاية حكومية، وأقوى من مجرد روتوشات، مهما تم تسويقها على أنها سياسة عمومية أو سياسات دولة. هي مشكلة مرتبطة أولا وقبل كل شيء بفلسفة التعليم، فطريقة التدريس ونوعية المناهج في مدارسنا ما زالت تعتمد على الأسلوب التلقيني والحفظ إلى أبعد الحدود، دون إفساح المجال للتلميذ لبناء شخصيته المعرفية، والاطلاع على نصوص أخرى، أو مناقشة المعلم أو المعلمة في ما يدرس. والمعضلة الكبرى أن هذا النمط التعليمي المتجاوز انسحب كذلك على معظم طلاب جامعاتنا، فأصبحت امتدادا للمدرسة، بدلا من أن توفر مناخا أكاديميا حرا يسمح للطالب أو الطالبة بالتمحيص والبحث وطرح الأسئلة النقدية، والبحث عن المعرفة لا تلقنها. هذا دون أن نغفل وضعية وسمعة الأستاذ التي تعرضت لكثير من الانجراف الذاتي والموضوعي، فضلا عن الإدارة المدرسية التي أصبح وجودها كعدمه.

إن الإنصاف يقتضي التنويه بأن هذه الحكومة رفعت سقف أهداف إصلاح المنظومة التعليمية على مستوى الخطاب، لكنها لم تحقق بعد مرور 13 شهرا على تنصيبها نجاحات ملموسة وحقيقية في هذا المجال، ومهما كانت الشعارات والأماني والأحلام الجميلة فلا يمكن أن يكون ذلك مؤشرا لأي نجاح، فقياس الإصلاح يكون بالقرارات الملموسة والجانب الكمي والأثر الواضح، لا بالجمل الإنشائية والشعارات الجذابة.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى