شوف تشوف

الرأي

التعريف بجودت سعيد ومدرسة اللاعنف (11- 12) 

بقلم: خالص جلبي
الأوروبيون بعد أن ذاقوا العذابات الأليمة في حروب دينية وحروب قومية وحروب عالمية، غيروا ما بأنفسهم من الاستعلاء والاستكبار فقبلوا أن يغيروا أساليبهم وقبلوا كلمة السواء، فأصبحوا بنعمة سنن الله إخوانا لا فضل لأحد على أحد. ونحن العرب والمسلمون علينا أن لا نتبلد وأن لا تأخذنا العزة بالإثم، ونقبل أن نغير ما بأنفسنا لنخرج من هذا التمزق والتدابر واستعداء بعضنا على بعض، كما في حرب الخليج الأولى والثانية. وجاءت الأدهى الثالثة باحتلال العراق، ونحن لا نشم رائحة التوجه إلى التعاون، فضلا عن الاتحاد مثل الاتحاد الأوروبي. وإنني لأدعو جميع عقلاء الأمة إلى أن يدعوا بدون أن يجرمنا شنآن قوم على أن لا نعدل فنسارع إلى الدعوة إلى مثل هذا الاتحاد، الذي لم ينزل من السماء وإنما تولد في الأرض، من العناء والعذاب والخسائر في الأنفس والأموال. وأن نقول إن ما يرينا الله من آيات في الاتحاد الأوروبي، من غير أن يخسر أحد شيئا ويربح الجميع أفضل عند الله ورسوله وعند المؤمنين وعند عقلاء الناس أجمعين مما نحن عليه، وأن نسارع بالإعلان بالفم الملآن وباليقين الثابت من أن هناك بديلا عما نحن عليه من الهوان والذلة والمسكنة والتدابير وشماتة بعضنا ببعض، بديلا يحدث أمامنا ومن جيراننا وليس من الغيب وفي كوكب آخر. يحلون مشكلاتهم بكلمة السواء بالعدل والإحسان، من غير أن يخسر أحد شيئا ويربح الجميع، لا يخسر أرضا ولا مالا ولا مكانة، بل سيزداد الجميع ربحا في كل مجالات الحياة، ويقر لنا بذلك الآخرون ويفرح بذلك المستضعفون، ولا يمكن للمستكبرين أن يفعلوا شيئا ويعترفون بأننا صرنا نسمع ونعقل وأننا بلغنا الرشد بالبدء بهذا العمل، الذي ينبغي فورا أن نبدأ به. فإذا غيرنا ما بأنفسنا من أن طبيعة النفس الإنسانية تعطي بالإقناع ما لا تعطيه بالإكراه، فستنفتح لنا أبواب نظنها موصدة وأساليب للإصلاح ما لها من نفاذ، وقد تهيأت النفوس لمثل هذا العمل، فعلينا أن نكون من السابقين الأولين ونكون من الذين إذا ذكروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صما وعميانا، وعند ذلك سيأتي نصر الله والفتح المبين الذي يفرح به المؤمنون وكانوا أحق بها وأهلها. وفي عام 1980 كتبت كتاب «العمل قدرة وإرادة»، أردت أن أبين فيه أن العمل الإنساني من زوجين، قدرة وإرادة. إن حركة الإنسان ليست كحركة الأفلاك ذات اتجاه واحد، وإنما قدرة وإرادة وسيلة وغاية. وحاولت أن أبين أن لنا إرادة، ولكن نجهل الوسائل. وضربت المثل بالأم والتي وهبها الله الرحمة في حب مولودها، لسنا في حاجة إلى أن نعلمها ذلك، ولكن علينا أن نعلمها كيف تستطيع أن تهب مولودها الصحة الجسمية والصحة النفسية. فعلى قدر علمها تحقق صنع الجسم السليم والقلب السليم من الغل. وهذا الواجب على الأم هو الواجب على الأمة الآن، لنجعل عمل الأمة ناجحا في تحقيق إرادتها. وذلك لا يكون إلا بأن نعرف ماذا حدث في العالم، وكيف تعلم الإنسان تسخير المادة، فصنع المحركات الآلية التي أراحت الناس وحملتهم في أرجاء الأرض وفي الفضاء. وتعلم الناس علم صحة الأجساد فطالت الأعمار وقلت الآلام، وبقي على الإنسان أن يعلم سنن الأنفس وتزكيتها، وليرشد استخدام الإنسان وأن هذا الجانب هو الأهم وهو ما يحتاج إليه المسلمون ليتعلموه، فيلموا شملهم الممزق ويستعينوا بسنة الله في الذين سبقونا، فنتقبل أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم. ولما ننظر كيف بدأ الخلق، نعلم أن العمل خلق من زوجين لكل مخلوق، ولكن نعلم أيضا أنا خلقنا من نفس واحدة وجعل منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء كثيرات، كذلك خلق من القدرة الإرادة وخلق منهما ذرية كثيرة، ليكونوا خلفاء الله في الأرض ليقيموا العدل والإحسان. وفي عام 1987 كتبت كتاب «اقرأ وربك الأكرم»، وكان هدفي من هذا الكتاب أن أرفع من قيمة العلم والعقل ولا يمكن أن ترتفع قيمة الإنسان إلا بالعقل والعلم، فأردت تعريف العلم والعقل وكان هذا هاجسي، حيث الإنسان بعقله يكون إنسانا وليس بجسده «فأنت بالعقل لا بالجسم إنسان». والإنسان يولد ولا يعلم شيئا، ولكن عنده قدرة أن يتعلم ويعقل. وهو لا يولد وعنده علم وعقل، وإنما يولد وعنده رأسمال عظيم جدا هو الفهم والقدرة على الفهم. وفي سفر الأمثال «أنا الفهم لي القدرة». وحين بدأت أدير في ذهني تعريف العلم والعقل، تذكرت أن الإنسان يولد بدون علم وعقل وإنما يتعلم ويصير يعقل بعد ذلك، ولا يتم التعلم إلا بالقراءة، لأن العلم بالقراءة صار للعلم وجود خارج عقل الإنسان. أي أن المعلومات التي يحصلها الإنسان يمكن أن ينقلها من ذهنه ويضعها في الكلمات. ثم تعلم الإنسان أن يضع الكلمات على الورق ككتابة، فصار للعلم وجود وبقاء وحفظ خارج دماغ الإنسان الذي يعود إلى التراب.
إن تقنية القراءة أكبر وأعظم تقنية وصل إليها الإنسان، وكيفية وصول الإنسان إلى هذه التقنية معروفة في التاريخ، لأن التاريخ صار له وجود، حين صار له وجود بالانتقال إلى الورق، إلى الرمز بالحروف الهجائية، التي كثير من هذه الحروف في أول كثير من سور القرآن «ألم- حم- عسق»، فحبس الإنسان العلم في هذه الحروف، ولم يكن عجيبا أن تكون أول كلمة في آخر رسالة كلمة «اقرأ» دون سائر الكلمات، حتى اسم الله جاء بعد كلمة «اقرأ»، «اقرأ باسم ربك»، ولأن حصول الإنسان على العلم ارتبط بالقراءة ولن يكون لأمي مكان بعد ما أوحي إلى الإنسان الأمي. فمن هنا مرة أخرى دليل على ختم النبوات لتكون هذه الرسالة رسالة التي حملها الأمي، ولم يدع أنها من عنده.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى