شوف تشوف

الافتتاحيةالرئيسيةسياسية

التسمم الجماعي

ما زالت تفصل مؤسساتنا المسؤولة عن المراقبة مسافات طويلة عن ثقافة التحرك وفق الاستباقية، والعمل بحكمة الوقاية خير من العلاج، حيث تتكرر حوادث التسممات الجماعية أمام أعين الجميع، وإصابة مئات المواطنين بتبعات صحية خطيرة لهذه التسممات وخطرها على فئة الأطفال والنساء الحوامل بشكل خاص، دون أن يكون ذلك دافعا لتحريك جمود مكاتب حفظ الصحة بالجماعات الترابية وتحمل الرؤساء مسؤوليتهم أمام القانون، وكذا المساءلة الحقيقية والصارمة للجهات الموكول إليها مراقبة جودة وسلامة المنتجات الغذائية من وزارة الصحة والسلطات الإقليمية والمكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية onssa.

نحن في أغلب الأحوال أمام سيناريوهات للتدخل البعدي عند تسجيل تسممات جماعية، واستنفار السلطات وفتح تحقيقات تنتهي أحيانا باعتقال صاحب المحل المعني، لكن ذلك لم يمنع من استمرار الظاهرة الخطيرة بالمجالين الحضري والقروي، لأن المشكل يكمن في غياب معالجة الأسباب والاختلالات العميقة، ومحاولة المسؤولين التغاضي عن أصل الأزمة المتمثل في انتشار الذبيحة السرية وغياب شروط ومعايير النقل وسوء التخزين وغياب مجازر عصرية واكتفاء الجماعات بما يشبه الخِرب لذبح وتوزيع اللحوم على المستهلك وتهديد صحته وسلامته بشكل مباشر.

هناك العديد من الجماعات الترابية التي لا تتوفر على مجازر  مرخصة من   onssa ومع ذلك يتم العمل بها ونقل اللحوم في شاحنات وسيارات وعربات لا تتوفر على أدنى شروط النظافة، بالإضافة إلى انتشار الذبيحة السرية والمنتجات مجهولة المصدر، وعرض المنتوجات في ظروف غير صحية تماما، حيث سبق ضبط محلات راقية ومشهورة بالشمال تتعامل مع موزع يملك مستودعات ضخمة لتخزين أطنان اللحوم والأسماك الفاسدة، في غياب أي مراقبة بيطرية وشروط صحية، وهو الشيء نفسه الذي يطرح علامة استفهام حول المراقبة الاستباقية وكيف نامت أعين كافة السلطات المعنية عن ملف بهذا الحجم وعمل المعني لسنوات قبل ضبطه.

قد يقول قائل إن فوضى توزيع اللحوم والمنتجات الغذائية لا يمكن ضبطها في ظل تعثر المجالس في تحمل المسؤولية وغياب المحاسبة، والحال أن الفوضى شبه متحكم فيها من طرف لوبيات خطيرة ترعى تجارة الذبيحة السرية وتزوير تواريخ نهاية الاستهلاك، والتلاعب في الجودة والتدليس على المستهلك وجرائم أخرى تؤدي مباشرة إلى خطر الإصابة بالتسمم، مقابل تحصيل اللوبيات المستفيدة الملايين على حساب صحة وسلامة المواطن والتهرب من أداء الضرائب لفائدة خزينة الدولة.

متى ينتبه الجميع إلى أن الفوضى الغذائية أصبحت تهدد الصحة العامة، وعلى السلطات تحمل مسؤوليتها في المراقبة القبلية والبعدية، وتحريك جمود مكاتب حفظ الصحة ومجموعة الجماعات التي تتحمل المسؤولية، وهيكلة قطاع المجازر الجماعية بمصادقة onssa  وتوفير النقل الذي يلتزم بشروط السلامة، والصرامة في مراقبة التخزين وشروط الصحة والسلامة، وكذا الصرامة في منح التراخيص والالتزام بمضامينها تحت طائلة السحب النهائي والعقوبة القضائية الصارمة، مع التوعية والتحسيس بأهمية وضع الشكايات وتفاعل المؤسسات معها وفق السرعة والنجاعة المطلوبتين.

الكل يجمع على أن المغرب من واجبه بذل مجهودات جبارة للنجاح في تنظيم تظاهرات عالمية ضمنها مونديال 2030، وهذا يتطلب مراقبة ما يتم بيعه للمستهلك بشكل عام، والسهر على صحة المواطنين وصحة ملايين الزوار والسياح، وذلك لن يتحقق طبعا بحملات موسمية أو اعتقال أصحاب محلات أو تسجيل إتلاف منتجات محجوزة والتباهي بكميتها وعددها، بقدر ما يتطلب الأمر الإسراع استباقيا بهيكلة إنتاج وبيع ونقل وتوزيع المواد الغذائية والعمل الاستباقي كذلك في تكثيف التوعية والتحسيس وتفعيل لجان مراقبة دورية وفق النزاهة والشفافية وربط المسؤولية بالمحاسبة بالنسبة للمسؤولين الذين يتم تعيينهم والمنتخبين، وتقدير حجم المسؤولية الكبيرة أمام الله والوطن الملخصة في حماية الصحة العامة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى