التحرش الجنسي في ضوء العمل القضائي بعد صدور قانون العنف ضد النساء
تعتبر المقتضيات الخاصة بتجريم التحرش الجنسي، من بين أهم المستجدات التي أقرها قانون 103.13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء، فالتحرش الجنسي كظاهرة أصبحت تطرح نفسها بقوة داخل المجتمع المغربي وعدد من المجتمعات الأخرى، طرحت وإلى وقت قريب إشكالية تجريم هذا الفعل أمام قصور النص التشريعي السابق، الذي كان يشترط في تجريم التحرش وجود علاقة سلطة أو تبعية بين الضحية والجاني.
وأمام مبدأ الشرعية الجنائية الذي يقتضي التفسير الضيق للنص الجنائي، كان لزاما على المشرع أن يتدخل بنص صريح لتجريم التحرش الجنسي في الفضاء العام، وكذا في الفضاء الرقمي.
التحرش الجنسي.. التعريف والعقوبة
ينص الفصل 1- 1- 503 على ما يلي:
«يعتبر مرتكبا لجريمة التحرش الجنسي ويعاقب بالحبس من شهر واحد إلى ستة أشهر وغرامة من 2.000 إلى 10.000 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من أمعن في مضايقة الغير في الحالات التالية:
1. في الفضاءات العمومية أو غيرها، بأفعال أو أقوال أو إشارات ذات طبيعة جنسية أو لأغراض جنسية؛
2. بواسطة رسائل مكتوبة أو هاتفية أو إلكترونية أو تسجيلات أو صور ذات طبيعة جنسية أو لأغراض جنسية.
تضاعف العقوبة إذا كان مرتكب الفعل زميلا في العمل، أو من الأشخاص المكلفين بحفظ النظام والأمن في الفضاءات العمومية، أو غيرها».
كما نص الفصل 2- 1- 503 على أنه: «يعاقب بالحبس من ثلاث إلى خمس سنوات وغرامة من 5.000 إلى 50.000 درهم، إذا ارتكب التحرش الجنسي من طرف أحد الأصول أو المحارم، أو من له ولاية أو سلطة على الضحية أو مكلفا برعايته أو كافلا له، أو إذا كان الضحية قاصرا».
من خلال هذين الفصلين، يتبين أن المشرع المغربي عرف التحرش الجنسي بأنه «الإمعان في مضايقة الغير»، وذلك في «الفضاءات العمومية أو غيرها، بأفعال أو أقوال أو إشارات ذات طبيعة جنسية أو لأغراض جنسية»، أو «بواسطة رسائل مكتوبة أو هاتفية أو إلكترونية أو تسجيلات أو صور ذات طبيعة جنسية أو لأغراض جنسية».
التحرش الجنسي في العمل القضائي
على مستوى التطبيق العملي تم رصد عدة إشكاليات أولية في تطبيق النص، من قبيل عدم تحديد المقصود بعبارة «الإمعان»، وما إذا كانت تقتضي بالضرورة تكرار الفعل، ومدة زمنية لتحقيق هذا الفعل وتكراره.
ويلاحظ بأن جانبا من الاجتهاد القضائي يعتمد في تحديد عنصر الإمعان على السياق العام الذي تم فيه فعل التحرش، خاصة إذا كان مصحوبا بأفعال أخرى، كالتحريض على الفساد، أو السب أو القذف في حق امرأة، أو العنف، أو السكر العلني أو استهلاك المخدرات، وهكذا قضت المحكمة الابتدائية بالسمارة بتاريخ 19 شتنبر 2019 بإدانة متهم من أجل جنحة التحرش الجنسي، ومعاقبته بسنة حبسا نافذا وغرامة مالية نافذة قدرها 1000 درهم، بعدما كان في حالة سكر طافح وتوجه إلى منزل الضحية ليلا، وتحرش بها موجها إليها عبارة: «فين يا الزين؟»، وحينما حاولت ثنيه عن فعلته، عرضها للعنف مسببا لها عجزا تتجاوز مدته 20 يوما.
كما أدانت المحكمة الابتدائية بالخميسات بتاريخ 10 أكتوبر 2018، شخصا من أجل التحرش الجنسي، وقضت في حقه بعقوبة شهرين حبسا نافذا وغرامة مالية نافذة 1000 درهم، وبأدائه للضحية تعويضا مدنيا قدره 10.000 درهم، وذلك بعدما تبين للمحكمة أن «المتهم كلما احتسى الخمر إلا ويقوم بالتحرش بالمشتكية ويتغزل بها جنسيا، ويعمد إلى مضايقتها بالشارع العام، متسببا لها في إحراج دائم، سواء أمام عائلتها أو جيرانها، وذلك بشكل إرادي متعمد عن طريق أقوال وإشارات ذات إيحاءات جنسية»، واعترف المتهم في محضر الشرطة بذلك، مؤكدا أنه يقوم بالتحرش بالمشتكية جنسيا بسبب حبه لها، الأمر الذي يدفعه إلى التغزل بها وبقوامها، وقد سبق وتقدم لخطبتها غير أنها ترفضه.
إعمال تدابير الحماية وسيلة للحد من آثار التحرش
نشير إلى حكم المحكمة الابتدائية بوجدة، الذي أمر بتطبيق تدبير المنع من الاقتراب من الضحية أو الاتصال بها، بشكل تلقائي، بعدما أدانت شابا بجنحة محاولة التغرير بقاصر، حيث كان يتحرش بتلميذة أثناء خروجها من الإعدادية، ويقول لها إنه يحبها كثيرا، وأمام تنازل الضحية عن الشكاية، قررت المحكمة تمتيع المتهم بظروف التخفيف ومعاقبته بشهرين حبسا موقوف التنفيذ، وغرامة نافذة قدرها 500 درهم، مع منعه من الاتصال أو الاقتراب من الضحية بشكل نهائي.