خالد الشرقاوي السموني أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية
وفقا للقانون الدولي لحقوق الإنسان، وعلى الخصوص العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لسنة 1966، سيما الفقرة الثانية من المادة الرابعة منه، يجب على الدول التي تعلن حالة الطوارئ عدم تعليق الحقوق غير القابلة للتقييد وهي: الحق في الحياة وتحريم ممارسة التعذيب أو المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، أو الإخضاع للتجارب الطبية أو العلمية دون الموافقة وحظر الرق والاتجار بالرقيق والعبودية وحظر اعتقال أي شخص لمجرد عجزه عن الوفاء بالتزام تعاقدي ومبدأ المساواة في مجال القانون الجنائي، أي اشتراط أن يقتصر الاستناد في تقرير كل من المسؤولية عن ارتكاب الجريمة والعقاب عليها على أحكام واضحة ودقيقة في القانون، الذي كان موجودا وساري المفعول وقت حدوث الفعل أو الامتناع عنه، باستثناء الحالات التي يصدر فيها قانون ينص على عقوبة أخف، ولكل إنسان الحق بأن يعترف لـه بالشخصية القانونية، وحرية الرأي والعقيدة .
وبناء على ما سبق، فإن حالة الطوارئ باعتبارها إحدى الحالات الواردة ضمن نظرية الظروف الاستثنائية، أجازها القانون الدولي لحقوق الإنسان وفق شروط معينة، لمواجهة الأخطار الحالة والجسيمة التي تواجهها الدولة، بموجبها يحق للسلطة التنفيذية تجميد الأحكام الدستورية والتشريعية العادية بشكل مؤقت، وتقييد وتعطيل حقوق الأفراد وحرياتهم، باستثناء بعض الحقوق والحريات التي أشرنا إليها .
ثانيا: حالة الطوارئ الصحية بالمغرب
بالرجوع إلى الدستور المغربي 2011، نجده لا يشير لا إلى إعلان «حالة الطوارئ» ولا إلى إعلان «حالة الطوارئ الصحية». فقط نص على حالة الحصار (الفصل 74)، بعد التداول بشأنها في المجلس الوزاري (الفصل 49)، حيث يمكن للملك إعلان حالة الحصار بمقتضى ظهير موقع بالعطف من قبل رئيس الحكومة. كما نص الدستور على حالة الاستثناء (الفصل 59)، حيث ربطها المشرع الدستوري بمجموعة من الشروط الشكلية، حيث يتعين على الملك استشارة كل من رئيس الحكومة، ورئيس مجلس النواب، ورئيس مجلس المستشارين، ورئيس المحكمة الدستورية، وتوجيه خطاب إلى الأمة.
وقد سبق للملك الحسن الثاني في ظل الأزمة السياسية الخانقة التي عرفها المغرب، أن أعلن حالة الاستثناء سنة 1965، عندما شعر بأن البلاد تجتاز أزمة حكم وسلطة، ومهددة بعدم الاستقرار، مما دفعه إلى استعمال حقه الدستوري الذي يعطيه جميع الصلاحيات لاتخاذ كل تدبير يفرضه رجوع المؤسسات الدستورية إلى سيرها العادي .
ولذلك، نستنتج أن حالة الطوارئ الصحية ليست حالة حصار ولا حالة استثناء، وتختلف عن حالة الطوارئ المتعارف عليها في التشريعات الدولية والوطنية. ذلك أن إعلان حالة الطوارئ الصحية غير مرتبط بالخطورة التي تهدد نظام الحكم واستقرار البلاد والسير العادي للمؤسسات الدستورية، لكنه مرتبط بخطر يهدد الصحة العمومية، نتيجة تفشي وباء فيروس كورونا. كما أنها لا تقيد بشكل شامل حقوق وحريات الأفراد.
ففي إطار التدابير المتخذة من طرف الحكومة في حالة الطوارئ الصحية، ومنها التدخل الفوري والعاجل للحيلولة دون تفشي الوباء وحماية حياة الأشخاص وضمان سلامتهم، صدر المرسوم بقانون رقم 2.20.292 بتاريخ 23 مارس 2020، يتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها. ويخول المرسوم بقانون للحكومة، أن تتخذ جميع التدابير اللازمة التي تقتضيها الحالة، بموجب مراسيم ومقررات تنظيمية وإدارية، أو بواسطة مناشير وبلاغات. ويمكن أن تكون هذه التدابير مخالِفة للأحكام التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل، غير أنها لا تحول دون ضمان استمرارية المرافق العمومية الحيوية، وتأمين الخدمات التي تقدمها للمرتفقين.
من جانب آخر، صدر المرسوم رقم 2.20.293 بإعلان حالة الطوارئ الصحية بسائر أرجاء التراب الوطني، لمواجهة تفشي فيروس كورونا (كوفيد- 19). والذي أعلنت بمقتضاه حالة الطوارئ الصحية بكامل التراب الوطني، ابتداء من يوم 20 مارس 2020 إلى يوم 20 أبريل 2020 في الساعة السادسة مساء. وينص هذا المرسوم على التدابير التي تتخذها الحكومة لمنع الأشخاص من مغادرة مساكنهم والمحلات الاستثنائية التي يسمح لهم فيها بذلك. كما ينص على منع التجمهر أو التجمع أو اجتماع مجموعة من الأشخاص لأغراض غير مهنية، وعلى إغلاق المحلات التجارية والمؤسسات التي تستقبل العموم.
ويلاحظ أن المرسوم بقانون استند إلى الفصلين 21 و24 من الدستور وإلى اللوائح التنظيمية الصادرة عن منظمة الصحة العالمية :
1) الاستناد إلى الفصل 21 من الدستور:
نص الفصل 21 من الدستور على ما يلي :
( لكل فرد الحق في سلامة شخصه وأقربائه، وحماية ممتلكاته.
تضمن السلطات العمومية سلامة السكان، وسلامة التراب الوطني، في إطار احترام الحريات والحقوق الأساسية المكفولة للجميع).