البناء الرشوائي
من المصائب التي تعيق التنمية والعيش الكريم، وتشوه العمران وتستنزف ميزانية الدولة في مشاريع ترقيعية، ظاهرة البناء العشوائي التي انتشرت قبل سنوات طويلة، وتسببت في تناسل أحياء هامشية كالفطر بهوامش المدن الكبرى والمدن القريبة من الحدود، حيث استمر فيروسها في الانتشار نتيجة الاستغلال الانتخابوي، والفساد الإداري، وتعقيدات القوانين التعميرية التي استغلها البعض كذريعة لتوفير السكن العشوائي للفئات الهشة والفقيرة.
لقد تحولت الأحياء العشوائية والقصديرية إلى مشاتل لرعاية الجريمة بكافة أنواعها وإدمان المخدرات والتطرف الديني، وكذا انتشار مظاهر التفكك الأسري والعنف والهدر المدرسي والبطالة، ما يستحيل معه تكوين شخصية مواطن سوية في بيئة تعج بالسلبيات، وغياب أبسط شروط السكن اللائق الذي يحفظ الكرامة ويعزز روح المواطنة.
لا يمكن لعاقل أن ينتظر نجاح مبادرات تربوية أو جمعوية سطحية، في ظل بيئة مهمشة وغياب المرافق العمومية وفساد المحيط الاجتماعي، حيث تتكدس العديد من الأسر التي اختارت الهجرة من القرى إلى المدينة داخل أحياء تتنفس الفقر والجهل وانتشار المخدرات وحالات العود، بعد ارتكاب جرائم السرقة والاغتصاب والاتجار في الممنوعات وخرق القانون.
أصابع الاتهام تشير إلى مافيا التجزيء السري التي ظلت تنشط لسنوات طويلة، وتستغل مرحلة الانتخابات، من أجل توسيع نشاط البناء العشوائي الأفقي الذي يزيد الطين بلة، ويساهم في استنزاف ميزانية الدولة وتدخلات المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، قصد تنفيذ مشاريع الهيكلة وتوفير الحد الأدنى من معايير العيش الكريم والربط بشبكات الماء والكهرباء والتطهير السائل.
لا يمكن القبول باستمرار القوانين التعميرية المعقدة، ومسطرة إعداد وثائق التعمير الأكثر تعقيدا، والتي يزيد من تعقيدها إسناد تطبيقها وتنزيلها إلى مسؤولين أصبح الجميع على علم بكواليس وخلفيات تعيينهم في مناصبهم، كما لا يمكن التساهل أبدا مع توسع البناء العشوائي الأفقي، لأنه يفاقم من الأزمة، باعتبار الأحياء الهامشية تحتاج إلى عمل جبار، من أجل وقف إنتاجها لأجيال معطوبة نفسيا واجتماعيا، ويصعب عليها الاندماج داخل النسيج الاقتصادي، وتحس بعقدة نقص تصرفها على شكل شغب وانتقام من المجتمع، والتغني بالهجرة السرية، وانسداد الأفق واليأس والإحباط.
هناك حاجة ماسة إلى توفير السكن اللائق، والتعامل مع العقلية المغربية التي تعتبر امتلاك السكن من أولويات الاستقرار النفسي والاقتصادي، كما أن السكن اللائق من أهم ركائز التنمية وإحساس المواطن بالكرامة، وهو الشيء الذي يتطلب تسريع القضاء على دور الصفيح المتبقية، وتوفير البدائل الحقيقية التي يمكن من خلالها معالجة الظاهرة المشينة، التي يحاول البعض أن يصبغها بالظروف الاجتماعية، لكن حقيقتها هي استغلال عوامل الجهل والفقر وعدم ملاءمة قوانين التعمير للواقع المعاش، من أجل تحصيل الملايير، على حساب جراح الملفات والأعطاب الاجتماعية التي تعيق التنمية.