الانتخابات وسيلة لا غاية
كان الخطاب الملكي بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب واضحا وصريحا وجريئا، رسالته الأساسية الموجهة إلى الداخل مفادها أن المغرب مستهدف في استقراره ويتعرض لعملية عدوانية مقصودة، وأن الوضع يستدعي أولا وقبل كل شيء تعزيز الجبهة الداخلية وتقويتها، وجعل كل ما عدا ذلك وعلى رأسها التنافس الانتخابي والصراع حول الحكومة والبرلمان والجماعات مجرد وسائل فقط لبناء دولة بمؤسسات قوية، وليس غاية في حد ذاته.
فالملك يدرك بما يتوفر عليه من معطيات دقيقة، أن الوضع العربي والإقليمي والقاري المحيط بنا وضع مضطرب بشكل لم يسبق له مثيل. ولئن كانت الاضطرابات في ما مضى محصورة في حدود دولة معينة، فإنها اليوم أصبحت عابرة للحدود، فما تقع من حروب باردة واصطفافات شرسة بسبب وباء «كوفيد- 19»، وما يجري على أفغانستان وليبيا وجنوب الصحراء، وما يمكن أن تتسبب فيه حماقات دولة جارة، ناهيك عن المحاولات المتتالية لاستهداف المغرب بمبررات حقوق الإنسان المفترى عليها أو بسبب مصالح متنافس عليها، كلها أسباب وغيرها تفرض فرضا علينا مؤسسات وشعبا رص الصفوف، لإغلاق أي اختراق لزرع الفوضى واللاأمن في البلاد. فوجود الشقوق في الجبهة الداخلية للوطن هو الأخطر، وهو بداية الهزيمة، فالشقوق تتسع، بشكل طبيعي داخل الدول بسبب فشل السياسات العمومية، فما بالك لو كانت الظروف المحيطة غير طبيعية.
ففي ضوء ما يتعرض له المغرب من تحولات في مواقف حلفائه الخارجيين التقليديين وحملات أعدائه الظاهرين والمتسترين، لم تعد الدعوة إلى تحصين الجبهة الداخلية ترفا نخبويا أو خطابا سياسيا يردد في الانتخابات، لكسب بعض الأصوات والمقاعد، ولاستعماله كورقة للابتزاز السياسي، بل أصبح ضرورة وطنية لإسناد الموقف المغربي الرافض لكل الصفقات التي يتم عقدها لإخضاعه بالقوة لمصالح الآخرين، أو التهديد بالمس باستقراره وأمنه. فالجبهة الداخلية كانت وما زالت هي الحصن الحصين لهذا البلد عبر مختلف المراحل، التي شهدتها المعركة الوطنية من أجل وحدتنا الترابية وبناء دولة المؤسسات، حيث كانت قوة البيت الداخلي هي أقوى ورقة يمتلكها المغرب في مواجهة خصومه، وبدون شك سيستمر هذا المعطى حاضرا إلى اليوم، مهما تغيرت السياقات الوطنية الدولية والإقليمية الحالية. لذلك فإن المهمة الأكبر للأحزاب والحكومة والبرلمان والنقابات والإعلام بشقيه العمومي والخاص، هي تعزيز الجدار الوطني كل من موقعه، فالجبهة الداخلية القوية هي أفضل سلاح دفاعي ضد الأخطار الخارجية، أما أن لم يكن ذلك في حسبان الطبقة السياسية، فعليها الرحيل عاجلا وليس آجلا.
صحيح أن خطاب الجبهة الوطنية يصطدم ببعض جوانب نقص في السياسات العمومية التي تثير الحنق الاجتماعي، ومواطن خلل مسجلة في التدبير العمومي تخلق ردود فعل غاضبة اجتماعيا، مما تكون له آثار حقوقية، لكن الظروف المتقلبة والحملات التي تتكالب على بلدنا تفرض الكثير التعبئة للحفاظ على البلاد، وإنجاح مشروع استكمال بناء دولة قوية وصلبة، الذي يجب أن يكون شعار الجميع.
واليوم وفق الخطاب الملكي، المسؤولية ملقاة على الأحزاب السياسية والنقابات والإعلام والمؤثرين على مواقع التواصل الاجتماعي في إفشال مساعي النفاذ إلى عمق النسيج المجتمعى كوسيلة مؤكدة لهزيمة الدولة من الداخل، والمسؤولية الجماعية تحتم أيضا إيجاد الصيغ المناسبة لتحصين الجبهة الداخلية بالحلول والاقتراح، فحجم الاستهداف والمخاطر لم يعد يحتمل شعارات، بل هو في حاجة ماسة إلى أفعال جادة وقرارات مستدامة في صالح المواطن، وليس إلى أقوال عابرة في الهواء، هكذا فقط نحمي هذا البلد.