يونس السيد
منذ احتلالها عام 1967، لم تشهد الضفة الغربية مثل هذا الخطر الاستيطاني غير المسبوق، إن على صعيد التوسع في بناء المستوطنات وإقامة بؤر جديدة، أو على صعيد عنف المستوطنين الذي يتهدد أرواح الفلسطينيين والاستيلاء على أراضيهم بالقوة بحماية ومشاركة الجيش الإسرائيلي.
هذا الخطر الذي يتنامى، مع مطلع كل يوم، بات يدهم الفلسطينيين في منازلهم وأراضيهم، خصوصا بعد تشكيل حكومة اليمين المتطرف، أواخر عام 2022، وإسناد ملف الاستيطان إلى وزير الأمن القومي المتطرف إيتمار بن غفير، زعيم حزب «قوة يهودية»، وشريكه وزير المالية بتسليئيل سموتريتش، زعيم حزب «الصهيونية الدينية»، إذ مع تشكيل هذه الحكومة تزايدت وتيرة الاستيطان ومصادرة الأراضي الفلسطينية، وانتهاك حرمة المقدسات والأماكن الدينية على نحو مذهل، وتم تسليح عشرات آلاف المستوطنين، الذين شرعوا في استباحة الأراضي الفلسطينية وتهديد حياة الفلسطينيين في مختلف مدن وقرى الضفة الغربية. صحيح أن الاستيطان أسبق من قيام هذه الحكومة، وكان ينمو وينتشر في الأراضي الفلسطينية في ظل الحكومات المتعاقبة، لكنه ظل يواجه بمقاومة شعبية وتسبب في انتفاضات فلسطينية، كما في عام 2000، وما تلاها من حروب صغيرة، شكلت انتهاكات المستوطنين للمسجد الأقصى أحد أسبابها، إلا أن وصول اليمين المتطرف إلى السلطة، واستباحة المستوطنين اليومية للأقصى، كانا سببا جوهريا في هجوم السابع من أكتوبر والحرب الإسرائيلية على قطاع غزة التي ما زالت مستمرة حتى الآن. اليوم وصل الأمر باليمين المتطرف إلى حد التمرد العلني على كل القوانين والشرائع الدولية وإرادة المجتمع الدولي، بالدعوة ليس فقط إلى اقتلاع الفلسطينيين من أرضهم وتهجيرهم بالقوة إلى خارج وطنهم، بل يقوم بتكريس ذلك عمليا بالدعوة لإعادة الاستيطان في قطاع غزة، والاستيطان الكامل للضفة الغربية، انطلاقا من أن الأحزمة الاستيطانية هي التي توفر الأمن لإسرائيل.
ومن هذا المنطلق يتم ارتكاب جرائم حرب يومية ضد الفلسطينيين، لإجبارهم على الرحيل أو مواجهة الموت. ومن هنا أيضا تشكلت الميليشيات المتطرفة مثل: «شبيبة التلال» و«تدفيع الثمن» وغيرهما، وأصبح بعضها جزءا من الجيش كما هو الحال بالنسبة إلى كتيبة «نتساح يهودا»، التي يقال: إنها تواجه عقوبات أمريكية.
في القانون الدولي، يعتبر الاستيطان من أساسه غير شرعي، بل يشكل «جريمة حرب» وفق الأمم المتحدة، ويقطع الطريق على أي تسوية للصراع، أما العقوبات الأمريكية والأوروبية، فقد بات من الواضح، أنها لن تردع الاستيطان والمستوطنين، الذين يحظون بحماية الدولة والجيش الإسرائيليين. وبالتالي فإن الواقع الجديد الذي يحاول فرضه عتاة التطرف الإسرائيلي لا يترك خيارا لدى الفلسطينيين سوى الدفاع عن أنفسهم وعن مقدساتهم، ويؤدي إلى انفجار دموي في المنطقة برمتها على شكل حرب دينية، لطالما حذر الجميع من اندلاعها، ما لم يسارع المجتمع الدولي، والولايات المتحدة إلى إيجاد حل جذري وتسوية حقيقية للصراع في المنطقة.