شوف تشوف

الرأي

الاتحاد الذي أرهقه كورونا

خالد فتحي
بعدما أحصى الأوربيون وفياتهم، وحصروا خسائرهم بسبب تعطيل الاقتصاد، ودخولهم الحجر الصحي، وإغلاق الحدود، هاهم قد التأموا من جديد في قمة واقعية للزعماء ببروكسيل.
لقد كانت، ولا شك، قمة للعتاب حول الخذلان الذي كان بينهم، ولإعلان بقاء اتحادهم على قيد الحياة، ولكنها بالخصوص قمة لمكافأة المتضررين، والذين حجوا إليها حالمين بجود للأيدي عوض سخاء اللسان الذي لا يخرج من الأزمات.
كانت مهمة صعبة تلك التي تولاها كل من ماكرون وميركل، قائدي العربة المهترئة، اللذين يعولان على تصليب الاتحاد أمام القوى العظمى المنافسة والأخرى الحليفة المتربصة.
فرغم كل ما بذل من جهود لتلحق المستشارة بوجهة نظر الرئيس، حول الحاجة إلى رد فعل قوي يكون في مستوى اختبار الجائحة، ثم وأبى كورونا العنيد إلا أن يفضح هشاشة البناء الأوربي، ويعمق الخلافات التي تخترقه كاتحاد سقط في امتحان أن يكون اتحادا للشعوب الأوربية .
لقد عرى كورونا حقيقة الاتحاد الأوربي، حيث يبدو الانقسام واضحا بين اتحادين أو ثلاثة داخل هذا الاتحاد، الذي يظهر أنه قد بني على عجل .فالشمال البخيل ظل مترددا جدا، رغم هول المأساة الاقتصادية والصحية، في مساعدة من يعتبره جنوبا مبذرا متراخيا في ضبط نفقاته وحوكمة اقتصاده.
الدول المقتصدة أرادت للدول المتضررة أن تشمر عن اقتصادها، وحبذت وسيلة قروض تسدد لاحقا، فيما طالبت دول الجنوب الأوربي بمنح أو مساعدات، بل ورفضت بصرامة أي وصاية على مخططاتها الوطنية لإنعاش اقتصادياتها المنهارة، هربا من السيناريو اليوناني. ثم كانت هناك الدول الأوربية درجة ثالثة، التي ورثتها أوروبا عن الاتحاد السوفياتي، والتي تتنصل هي الأخرى من إخضاعها بمناسبة هذه المساعدات لشروط دولة القانون. لأنها تعتبرها مجحفة وابتزازا في مثل هذه الظروف، بل وتنظر إليها كعقاب اقتصادي يسلط عليها من طرف أشقائها الجدد. هكذا هم الأوربيون، حتى في أيام الجائحة، جعجعة كبيرة، وتمرير لأجندات، ومقايضات وبحث عن الربح بمنطق السوق، وحتى لو كانوا بصدد المواساة في النوائب، فلا شيء بالمجان عندهم.
القمة نفسها بمناكفاتها دليل آخر قدمه هؤلاء القادة على تفرق أوربا، الكل ينافح عن مصالحه، سواء كانت يده هي العليا أم كانت هي السفلى، لا تضامن ولا تآزر بين الحكومات إلا بقدر المصلحة. وحدهما ألمانيا وفرنسا وقد كانتا وما زالتا دولتين عظميين، من يؤرقهما مصير الاتحاد، أما الدول الأخرى فمنها من ستخرج أولا من القمة وستتقوقع على نفسها ضاربة عرض الحائط بالاتحاد والعولمة وقيم التضامن المكلف، وقد تفكر في بريكسيت أخرى، ومنها قد تمد يدها للصين التي تتصيد شركاء في قلب أوربا المنهكة لمشروعها الحزام والطريق، أو حتى لقيصر روسيا بوتين الحالم باستعادة أمجاد الإمبراطورية السوفياتية، فلا ألذ لبوتين بمن قضم الدول الأوربية الشرقية مرة أخرى، في زمن الوباء والحاجة والإفلاس.
وحدة أوربا التي كانت ناجحة أيام الرخاء تهتز الآن أيام الشدة، إذ دائما ما تعود في الأيام العصيبة التقسيمات القديمة التي نسيناها، والتي تحددها العوامل الجغرافية والثقافية الراسخة، أكثر من العوامل السياسية الظرفية المتحولة، والتي سرعان ما تتلاشى ساعات الحسم المفصلية .
كورونا أعاد إحياء الأنانيات وإحياء الصور النمطية بين أوربا اللاتينية الفقيرة، باستثناء فرنسا، …أوربا الجنوبية ذات الطقس الجميل التي يعشق سكانها الفن والحياة ولا يدخرون للأزمات، الذين جلبوا الداء وفشلوا فيه، وأوروبا الجرمانية الشمالية ذات الطقس البارد.. أوربا الصقيع والضباب، التي يتميز سكانها بالدقة والمهارة وحب العمل، التي نجحت في محاربة الداء وستنجح أيضا في بعث الاقتصاد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى