الأخبار تكشف عن الوجه الآخر لمهنة الطب بالمغرب
كوثر كمار
يعاني بعض الأطباء بالمغرب العديد من المشاكل التي تنعكس سلبا على أدائهم المهني والمتمثل في إنقاذ حياة المرضى. منهم من يشعرون بالظلم بسبب أجورهم الزهيدة، ومنهم من يعانون لعدم توفرهم على التغطية الصحية، فضلا عن العمل لساعات طويلة.
«الأخبار» تكشف عن الوجه الآخر لهذه المهنة وتنقل شهادات لأطباء يطالبون بالتغيير.
شكل مشروع قرار الخدمة الإجبارية صدمة بالنسبة للأطباء، إذ كان هذا القرار بمثابة النقطة التي أفاضت الكأس، فبالرغم من تعليق الإضراب بعدما وعدت الوزارة المعنية بالتوصل إلى حل يرضي جميع الأطراف غير أن عددا من الأطباء غير راضين عن وضعيتهم.
مصطفى أيت الحاج طبيب مقيم في جناح الطب النفسي بالمستشفى الجامعي ابن رشد بالبيضاء كشف، خلال تصريح لـ «الأخبار»، أن الأطباء الداخليين المقيمين لم يقتنعوا بصيغة الاتفاق المبرم مع الوزارة، فمن الوارد جدا أن يتم فتح الملف مرة أخرى. وأوضح مصطفى أن الطلبة المقيمين لم يوقعوا على الاتفاقية، إذ إن الطلبة الأطباء اضطروا لتعليق الإضراب خوفا من سنة بيضاء، بالإضافة إلى الاقتطاعات الكاملة للأجور والتي تمت بطريقة غير قانونية، مردفا أن الأطباء مازالوا ينتظرون تحقيق كافة مطالبهم المشروعة.
الخدمة الإجبارية
يؤكد العديد من الأطباء أنهم لا يرفضون العمل في المناطق النائية، بل يرفضون العمل من دون إدماجهم في الوظيفة العمومية، زيادة على عدم استفادتهم من التغطية الصحية. الأمر الذي دفعهم إلى الخوض في إضراب مفتوح ضد قرار الخدمة الإجبارية.
وأفاد مصطفى أيت الحاج طبيب في الجناح النفسي بمستشفى ابن رشد بالدار البيضاء خلال حديثه مع «الأخبار» أن المشكل الحقيقي يكمن في عدم رغبة الوزارة في توظيف الأطباء، خاصة أن الميزانية المخصصة لهذا القطاع غير كافية، فبالرغم من أن منظمات الصحة العالمية تشير إلى أن نسبة من الميزانية العامة بالنسبة للدول في طور النمو يجب أن تكون 10 بالمائة، إلا أنه في المغرب بعدما وصلت الميزانية المخصصة لقطاع الصحة إلى خمسة بالمائة تقلصت إلى 3.87 بالمائة خلال السنة الجارية، مضيفا أن الحكومة الحالية ترغب في خوصصة قطاع الصحة وإحداث كليات طب خاصة، الأمر الذي يرفضه المهنيون، سيما وأن هذه المهنة جد حساسة، مردفا أن مشروع قرار الخدمة الإجبارية جاء بطريقة أحادية، إذ أنها تحرم الخرجين من اجتياز امتحان التخصص وتجبرهم على الالتحاق بالمناطق النائية لمدة سنتين دون الإدماج في الوظيفة العمومية. كما أن المباريات الخاصة بالأطباء العامين تبرمج في ظرفية غير مناسبة، إذ أنها تتزامن مع تاريخ امتحانات الاختصاص.
وكشف مصطفى آيت الحاج أن الأطباء يعانون بسبب عدم تنفيذ اتفاقيات تم إبرامها منذ 2007 و2011، إذ لم تطبق لحدود اليوم قائلا: «نعمل في مهنة محفوفة بالمخاطر زيادة على عدم استفادة الأطباء المتطوعين من التغطية الصحية
والعمل لساعات طويلة، فالأطباء الداخليون يعملون من الساعة الثامنة صباحا إلى غاية الساعة السادسة مساء، بالإضافة إلى الحراسة الليلية في المستعجلات والتي تصل إلى 124 ساعة في الشهر من دون الحصول على تعويضات مادية عنها. للأسف نعمل وكأننا في حالة حرب غير (كنضبانيو)، خاصة عندما تتعطل المعدات فبسبب الظروف المزرية أصبح البعض يكرهون هذه المهنة».
ولم يخف الطبيب المقيم بالمستشفى الجامعي ابن رشد تذمره بسبب الأجور التي يتقاضاها الأطباء، مشيرا إلى أن بعض الأطباء يتقاضون فقط 3500 درهم، بينما الأطباء المقيمون يتقاضون 8800 أي أن الوزارة لا تعترف بهم كدكاترة.
أجور الأطباء
لم يكن من السهل الحديث مع الأطباء والطلبة عن المشاكل والعراقيل، فبعد تردد كبير كشف البعض خلال حديثهم مع «الأخبار»، أنهم يعانون بسبب الأجور التي يرون أنها زهيدة.
رضى (اسم مستعار) طبيب مقيم بالمستشفى الجامعي ابن سينا بالرباط رفض الكشف عن هويته الحقيقية لأسبابه الخاصة، وعبر هذا الأخير عن استيائه بسبب أجره الذي لا يتجاوز 8800 درهم، مضيفا أنه لا يحصل على تعويضات أثناء الحراسة الليلة، وأوضح أن معظم الأطباء المقيمين والداخليين يعملون في المستعجلات غير أنهم يتقاضون أجورا غير مرضية.
وكشف أن دراسة الطب بالمغرب تستغرق 8 سنوات وليس 7 سنوات، إذ إن الطالب يناقش أطروحته في السنة الثامنة، مشيرا إلى أن طالب الطب من السنة الثالثة إلى السنة الخامسة يعتبر طبيبا خارجيا يعمل نصف يوم داخل المستشفيات الجامعية وبأجر زهيد 110 دراهم في الشهر للسنتين الثالثة والرابعة و165 درهما في الشهر للسنة الخامسة، مضيفا أن العديد يعتقدون أن هذه الأجرة التي تعطى للطلبة هي منحة وهذا خطأ بل كما هو موضح في الظهير رقم 2-91-527 المسطر لمهام الطبيب الخارجي فهي تعويض عن وظيفة indemnité de fonction .
وأوضح الطبيب المقيم أن طالب الطب في السنة السادسة يعتبر طبيبا خارجيا ليوم كامل ويتقاضى 165 درهما، أيضا في الشهر وله مهام أكبر من التي كانت له من قبل لتواجده المستمر في المستشفى.
وعلاوة على ذلك، فطلبة الطب لا يستفيدون من العطل الجامعية ويعملون حسب عطل الوظيفة العمومية أما في نهاية السنة الخامسة والسادسة فيمكن لطالب الطب أن يجتاز مباراة الداخلية ليصبح طبيبا داخليا جامعيا يتقاضى 3500 درهم في الشهر .
ويعتبر طلبة الطب في السنة السابعة أطباء داخليين في المستشفيات الجهوية ودورهم محوري داخل المستشفيات الجهوية، وهم من يستقبلون المرضى داخل المستعجلات وداخل المصلحات الاستشفائية وبأجر هزيل، 900 درهم في الشهر يتحصلون عليها حتى نهاية مدة العقد، أي مدة 11 شهرا.
وفي السنة الثامنة يتم التحضير للدكتوراه ومناقشتها والحصول على لقب دكتور بعد كل هذا العناء والتعب والعمل داخل المستشفيات بدراهم معدودات.
وزاد قائلا: «للأسف رفضت الوزارة زيادة في الأجور بدعوى أنها مكلفة ماديا، لذا نطالب بتحقيق كافة مطالبنا من أجل العمل في ظروف مواتية «.
التغطية الصحية
إلى جانب الأجور يطالب الطلبة الأطباء بالاستفادة من التغطية الصحية، خاصة أنهم معرضون لخطر الإصابة بالأمراض المعدية.
مهدي طبيب بدون عقدة عمل كشف خلال حديثه مع «الأخبار»، أنه لا يتوفر على تغطية صحية كما أن أجره لا يتجاوز ثلاث آلاف وخمس مائة درهم.
ويضيف أن العديد من الطلبة الأطباء يعملون في المستشفيات الجامعية ويغطون الخصاص الذي يعرفه القطاع إلا أنهم يتقاضون أجورا هزيلة ولا يتوفرون على تغطية، فكما يقول المثل المغربي: «جزار معشي باللفت».
وبسبب العديد من الانتقادات التي طالت هذا القطاع أعطيت أخيرا في 13 من يناير الانطلاقة الرسمية لنظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض الخاص بالطلبة الأطباء، بتنسيق مع وزارة التعليم العالي والبحث العلمي وتكوين الأطر ووزارة التربية الوطنية والتكوين المهني، وبشراكة مع الوكالة الوطنية للتأمين الصحي والصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي.
الوردي: «لا يمكن الالتزام بزيادة يطالب بها الأطباء تكلف مليارين و 185 مليون درهم»
رغم تعليق الإضراب من قبل الطلبة الأطباء والأطباء الداخليين والمقيمين، فذلك لا يعني سحب الوزارة لمسودة الخدمة الصحية الوطنية الإجبارية وفق ما صرح به وزير الصحة الحسين الوردي خلال جلسة شفوية بمجلس المستشارين.
وأوضح الوردي، في معرض رده على 11 سؤالا آنيا تقدمت بها العديد من الفرق في إطار جلسة الأسئلة الشفوية بمجلس المستشارين، أنه قد توصل إلى اتفاق بين الطلبة المعنيين ووزارتي الصحة والتعليم العالي والبحث العلمي وتكوين الأطر على عدم طرح مشروع الخدمة الصحية الوطنية الحالي، أي في صيغته الحالية، على مسطرة المصادقة، مضيفا أن الأمر لا يتعلق بسحب للمسودة. وشدد على أن الوزارة ستطبق الاتفاق الذي يتضمن أيضا العمل على إيجاد حل بديل لهذا الشأن، مبرزا أن «لا غالب ولا مغلوب» في الاتفاق.
وقال إن الوزارة ليست متشبثة بالمشروع في حد ذاته أو بصيغة معينة منه، بل متشبثة بـضرورة إيجاد حلول ناجعة ومعقولة للمناطق النائية. واعتبر أن من فضائل المسودة المذكورة إماطة اللثام عن النقاش الحقيقي الذي يتوجب أن يجري ممثلا في الطريقة التي يتعين من خلالها تطوير البنيات التحتية بالعالم القروي. وقال وزير الصحة إن الأمر يتعلق بـمسودة مشروع، وليس بمشروع قائم وإجباري، مشيرا إلى أن 70 دولة على الصعيد العالمي تعمل بهذه الخدمة.
وأشار إلى أن هذه الخدمة، في حال تطبيقها، تمكن من التوزيع المتكافئ لمهنيي الصحة على الصعيد الوطني وتخلق فرص الشغل وتمكن الطلبة الأطباء من اكتساب تجربة مهنية، فضلا عن تمكينها من تشغيل مختلف المستشفيات والمراكز الصحية المغلقة وتعزيزها لمشروع «راميد» الذي يعمل به المغرب. وذكر بأن المغرب يعرف نقصا كميا ونوعيا في الموارد البشرية المتخصصة في المجال الصحي، موضحا في هذا السياق أن البلاد تتوفر على 1,51 مهني صحة لكل ألف نسمة، فيما المنظمة العالمية للصحة توصي أي دولة ترغب في إصلاح القطاع وتقريب الخدمات الصحية من المواطنين بتوفير 2,5 مهني صحة لكل 1000 نسمة. وأوضح أن 45 في المائة من الأطباء يتمركزون بمحور الرباط-الدار البيضاء، فيما يزاول 24 في المائة من الأطباء مهامهم في العالم القروي والمناطق النائية .
وكان اجتماع بين كل من الحسين الوردي، وزير الصحة، ولحسن الداودي، وزير التعليم العالي والبحث العلمي وتكوين الأطر، مع ممثلي طلبة الطب والصيدلة وطب الأسنان والأطباء الداخليين والمقيمين، بحضور مجموعة من الأساتذة الجامعيين، قد خلص إلى التزام الوزارتين المعنيتين بالتوجه نحو الرفع من تعويضات الطلبة الأطباء، مع مواصلة الحوار في ما يخص مشروع الخدمة الوطنية الصحية.
وبحسب بيان مشترك بين كل من وزارة الصحة ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي وتكوين الأطر، فإن الوزارتين تعلنان أنه سيتم الرفع من قيمة التعويض عن مهام طلبة الطب والصيدلة وطب الأسنان، إضافة إلى تسريع وتيرة صرف التعويض عن الحراسة والخدمة الإلزامية.
وعبرت الوزارتان عن الاستعداد الكامل لمواصلة الحوار حول الخدمة الوطنية الصحية، مع جميع المتدخلين بمن فيهم ممثلو طلبة الطب والصيدلة وطب الأسنان، وممثلو الأطباء الداخليين والأطباء المقيمين، إلى حين التوافق بشأنه، وتثمين أي مشروع بديل، بما يضمن حقوق وواجبات المواطنين والأطر الصحية»، بحسب تعبير البيان.
وبخصوص الزيادة في الأجور سبق أن صرح وزير الصحة، الحسين الوردي خلال ندوة صحفية أن الزيادة التي يطالب بها الأطباء المضربون «تكلف مليارين و185 مليون درهم ولا يمكن للحكومة أن تلتزم بها حاليا، لأن مطلب الزيادة يحتاج إلى وقت».
وأشار الوزير إلى أن الأطباء الداخليين الذين يبلغ عددهم 702 طبيبا يطالبون بزيادة 3000 درهم، وأن الأطباء المقيمين 1158 طبيبا غير متعاقد و1922 طبيبا متعاقدا يطالبون بزيادة 4000 درهم.