الأخبار تحقق في كواليس الترخيص لمشاريع عقارية فوق برك مائية ببنسليمان
عزيز الحور
لم تكن بنسليمان بالكبر النسبي الذي أضحت عليه حاليا. أحياء المدينة كانت معدودة، كلها مرتبطة بشارع الحسن الثاني المحوري الذي يخترقها. كان جانب معزول وحيد من البنيان يكسر رتابة الإسمنت في هذه المدينة، ويتعلق الأمر بغولف المدينة الشاسع الذي يوجد عند مدخلها الرئيسي. لكن في العقد الماضي حدثت فورة عقار زحف على مداخل ومخارج المدينة وشمل حتى الغولف المغرق في تفاصيل تاريخ الحسن الثاني ورجل داخليته القوي إدريس البصري. فتح الباب أمام رخص استثنائية وبرزت مشاريع عقارية في نواحي المدينة، على نحو مشتت.
فورة العقار هاته ارتبطت بمشاكل عدة بينها مد المشاريع الجديدة التي توجد في أطراف المدينة بقنوات الصرف الصحي، وهو مشكل ما زال حاصلا لحد الآن، لكن ثمة مشكلا آخر ظل يلاحق المشاريع العقارية هاته، ذلك أن عددا كبيرا منها أقيم أو سيقام فوق أمكنة جل سكان المدينة يتذكرون أنه كانت هنالك برك مائية تغطيها. هل فعلا أقيمت مشاريع عقارية في بنسليمان فوق برك مائية؟ كيف تم الترخيص بالبناء فوق هاته البرك؟ التحقيق التالي يتعقب تجزئات سكنية رخص لها بالبناء فوق برك مائية، ويستجلي آراء مسؤولين عن الترخيص لهذه المشاريع.
الملف التالي هو أحد الملفات التي تفجر خلافا بين مدبري الشأن المحلي هنا في بنسليمان، كما يستعمل ورقة سياسية للضغط في أحايين كثيرة، وذلك بالنظر إلى أن عددا من مسيري الشأن المحلي هم أصحاب مشاريع عقارية أو ضمن مستفيدين منها.
وبغض النظر عن الحسابات السياسية التي تحرك ملفات بين حين وآخر، فإن ثمة مكامن غموض تكتنف مشاريع عقارية بالمدينة بالفعل. الغموض يرتبط بمعطى بسيط وهو أن كثيرا من سكان المدينة، المتقدمين في السن على الخصوص، يتذكرون بركا مائية محيت من الخريطة وحلت محلها مشاريع عمرانية، كما توجد حاليا في رفوف مصالح المدينة وثائق مشاريع عقارية خرائطها تنطبق مع أراض بها برك مائية.
عمارات فوق الماء
بين المشاريع العقارية التي تطرح إشكالا في بنسليمان حاليا، لاعتبار أن وثائقها تشير إلى أنها ستقام فوق برك مائية، مشروع عقاري يُعتزم أن يقام في مدخل المدينة الرئيسي عبر طريق المحمدية. المشروع سيشيد فوق مساحة 50 هكتارا. المعطيات تشير إلى أن عائلة كريم الزيادي، البرلماني المعروف ببنسليمان، تقف وراء المشروع. المثير للانتباه أكثر هو أن كريم الزيادي هذا هو حاليا نائب رئيس المجلس البلدي لبنسليمان المكلف بالتعمير.
«لقد سبق أن تم البث بعدم الترخيص لهذا المشروع، ضمن أربعة مشاريع، في عهد المجلس السابق، بسبب كونه سيقام فوق بركة مائية، في جزء منه على الأقل. بقية المشاريع رفضت بسبب مشكل الربط بشبكة التطهير السائل»، يقول مصدر مطلع لـ «الأخبار».
هذا المعطى الذي أطلعنا عليه المصدر تأكدنا منه رسميا. ملف المشروع العقاري معلق منذ أمد. السبب هو البركة المائية. صاحب المشروع يتشبث بالتجزيء فوق البركة. ملفه رفض مرارا. في النهاية تم الارتكان إلى حل وسط يقضي بتعديل المشروع عبر تبني حل تقني أتى به مكتب دراسات استقدمه صاحب المشروع. الحل التقني يكمن في تغيير مجرى مياه البركة حتى تصب في مجرى آخر يؤدي «وادي نفيفيخ» الذي يصب بدوره في شاطئ البحر بالمحمدية. الحل التقني يفترض تمرير قناة مائية تحت الطريق الرئيسية الرابطة بين المحمدية وبنسليمان. لكن ثمة عائقا هو أن المجرى المعتزم إقامته يعيقه سور فيلا مقام فوقه. صاحب الفيلا غير موجود والسور مفترض أنه بني بطريقة غير قانونية وترامى على ملك عمومي. في انتظار تسوية ملف الفيلا كل شيء معلق مرة أخرى.
الآن، برز معطى آخر يضع فرضية أخرى وهي بدء المشروع دون انتظار الحل التقني المذكور. المعطى هو تولي المشرف على المشروع بنفسه قطاع التعمير ببنسليمان. الأمر يعني أن صاحب المشروع سيرخص لمشروعه بنفسه. الفرضية ترتبط بمعطيات أخرى استقتها «الأخبار» من مصادر، وتخص تمكن صاحب المشروع من استصدار موافقة وكالة الحوض المائي لأبي رقراق وبنسليمان بعد طول انتظار. مصدر يكشف ما يلي: «في الواقع، الوكالة أعطت الموافقة بناء على قرار اتخذ من فوق. ذلك أن لجنة من الوزارة المكلفة بالماء هي من بتت في الأمر. وزيرة الماء حاليا، شرفات أفيلال، تنتمي إلى الحزب ذاته الذي ينتمي إليه صاحب المشروع».
إلى أي حد يبقى هذا الأمر صحيحا؟.. نترك الجواب عن هذا السؤال إلى المحور الثاني من هذا التحقيق. الآن ننتقل إلى مشروع آخر شهد بدوره جدلا بخصوص تشييده فوق مكان قيل إنه كان بركة مائية يدور حولها غولف بنسليمان كله. اختفت البركة وحل محلها مشروع عقاري.
إلى جانب هذا المشكل ظهر مشكل آخر عرقل هذا المشروع نسبيا ويتعلق الأمر باختفاء نصف طريق كان يفترض أن تمتد على عرض 30 مترا. نصف الطريق جزئ فيه لبنايات من أربع طوابق. قبالة هذه البنايات عمارات أخرى من طابقين. سكان هذه العمارات، إلى جانب سكان حي مجاور للمشروع، يحتجون على الأمر على نحو أسبوعي تقريبا. أحد المحتجين يقول لـ «الأخبار»: «إلى جانب الترخيص بالاستثناء للمشروع خلافا لمقتضيات تصميم التهيئة الصادر سنة 1999، تم البناء فوق طريق كان يفترض أن يكون عرضها 30 مترا وعرضها الآن لا يتجاوز 15 مترا. كما رخص ببناء شريط عمارات من أربع طوابق مسترسلة ودون أزقة قبالة عمارات من طابقين ما يحجب عنها الضوء. راسلنا الجهات المعنية دون رد والآن لجأنا إلى القضاء من خلال إحالة شكاية مذيلة بتوقيع 500 متضرر على الوكيل العام للملك».
رغم كل هذا الاحتجاج المشروع آخذ في طريق التجزيء وإعداد الرسوم العقارية. لكن ما رأي المسؤولين في شأن كل ما واقفنا عليه؟
رأي رسمي
لمعرفة وجهة نظر المسؤولين المعنيين مباشرة بملف مشاريع التجزئات السكنية المقامة فوق برك مائية اتصلنا بعدد منهم، خصوصا المعنيين مباشرة بالملف، بعضهم تحدث إلينا بوجه مكشوف وآخرون اختاروا تقديم معطيات دون أن تذكر أسماؤهم في حين لم نتمكن من الحصول على وجهات نظر معنيين بملفات رغم اتصالنا بهم.
من بين من حاولنا استقاء وجهة نظرهم كريم الزيادي، نائب رئيس المجلس البلدي المكلف بالتعمير، وهو في الوقت ذاته المعني بالمشروع العقاري المثير للجدل، والذي صدرت الموافقة بإقامته على أرض تضم بركة مائية عند مدخل المدينة. لم يرد المسؤول على اتصالنا.
في المقابل، التقينا عبد العزيز الزروالي، مدير وكالة الحوض المائي لأبي رقراق والشاوية، والذي أفاد أن الوكالة تقوم بدورها في هذا المجال عبر دراسة الملفات دراسة تقنية بما في ذلك المشاريع المقرر بناؤها فوق برك مائية. يقول الزروالي في حديثه مع «الأخبار»: «أؤكد لك أن جميع الملفات التي تصلنا تدرس بشكل كاف، وبخصوص المشاريع العقارية التي يتبين أن أصحابها يعتزمون بناءها فوق برك مائية، فإننا ندرسها مليا ونبحث ما إذا كان هناك حل تقني يتيح إقامة المشاريع، وإلا فإنه لا يمكن الترخيص بذلك».
سبب اليقظة التي يؤكد مدير وكالة الحوض المائي لأبي رقراق والشاوية أن إدارته تتعامل بها مع ملفات المشاريع العقارية الموجودة عند مدخل مدينة بنسليمان عبر الطريق التي تربطها بالمحمدية، هو وجود عدد كبير من البرك المائية هناك. الأمر تطلب من الوكالة، قبل سنوات، المبادرة بإجراء ما يشبه مسحا في أفق إنجاز مشروع يستبق تقديم مشاريع عقارية ويتيح، قبل تقديم ملفات إقامة تجزئات سكنية في هذا المكان، عرض الحل التقني الذي يكون جاهزا.
يوضح الزروالي: «توجد على طول الطريق الرابطة بين بنسليمان والمحمدية، والمارة عبر مطار بنسليمان، 29 بركة مائية، وقد كنا قد حاولنا تنزيل مشروع يسمح بدراسة وضعية هذه البرك وبلورة الحلول اللازمة للتعامل مع كل بركة وإيجاد حل تقني لتصريف مياهها في حال تقديم مشروع عقاري، لكن المشروع لم يتم بسبب تجاوز كلفته لإمكانياتنا، على اعتبار أنه سيكلف حوالي 70 مليون درهم، كما لم نجد جهات تمول المشروع. سبب تفكيرنا في هذا المشروع هو أنه قبل سنة 2008 حدثت ثورة في مجال العقار وتكاثرت المشاريع التي يتقدم بها منعشون يرغبون في إقامة مشاريع عقارية في مدخل المدينة، لذلك عوض انتظار إيداع ملف مشروع ودراسته، اقترحنا استباق الأمر وتوفير قاعدة معطيات معدة سلفا تحدد ما إذا كان يمكن البناء في المكان الذي يختاره المنعش أم لا وما إذا كان أيضا من الممكن اللجوء إلى حل تقني».
لم يظهر مملون لهذا التصور كما يبرز مدير وكالة الحوض المائي، وحتى المنعشون العقاريون الذين سيستفيدون من اختصار للإجراء والمساطر والوقت لم يتحمسوا لتشجيع المشروع بعدما ظهر كساد مفاجئ على سوق العقار، ذلك أن كثيرا منهم تخلوا عن مشاريعهم، ولم يبق، على الأقل، في مدخل مدينة بنسليمان عبر المحمدية، من مشروع عقاري سوى مشروع محسوب على كريم الزيادي، في أرض مساحتها تناهز 50 هكتارا، كما أسلفنا. ما مشكلة هذا المشروع إذن؟ وهل صحيح أن صاحبه يعتزم أن يقيمه فوق بركة؟ وما حقيقة لجوء الزيادي إلى الوزيرة المكلفة بالماء، شرفات أفيلال، للحصول على الموافقة لإنجاز المشروع بعدما وصل المسار داخل وكالة الحوض المائي إلى الباب المسدود؟
عن هذه الأسئلة يرد مدير وكالة الحوض المائي لأبي رقراق الشاوية قائلا: «لقد تمت دراسة المشروع هنا داخل وكالة الحوض المائي، وبخصوص تدخل الوزارة، فإن الأمر مرتبط بكون المشروع كبير، ولكن الترخيص يتم داخل الوكالة. لقد تقدم لنا صاحب المشروع في البداية بملفه، وقمنا بدراسته، وتبين فعلا أن جزءا من المشروع سيقام فوق بركة مائية بقربها مجرى مائي. طلبنا من صاحب المشروع التقديم بحل تقني لهذا المشكل. قام بالفعل بتكليف مكتب دراسات أنجز دراسة توصلت إلى هذا الحل التقني، والذي يكمن في إيجاد رابط بين البركة المائية ومجرى يؤدي إلى وادي نفيفيخ الذي يصب في المحمدية. الحل يقضي بسحب الماء من البركة عبر قناة تمر تحت الطريق الرابطة بين بنسليمان والمحمدية، وتصل إلى مجرى وادي نفيفيخ. المشكل الذي صادفه هذا الحل هو وجود فيلا كان قد بناها شخص قبل سنوات جزء منها مقام فوق المجرى الذي يفترض أن تنقل إليه مياه البركة. لقد انتقلت بنفسها للبحث عن مالك هذه الفيلا الذي لا يقطنها حاليا».
يظهر من كلام المسؤول المذكور أن حلا تقنيا سمح به لصاحب المشروع من أجل إنجاز عقارات فوق بركة مائية، ولم يعد تعثر المشروع مرتبطا بمشكل البركة بقدر ما صار مرتبطا بالفيلا التي تعرقل تطبيق هذا الحل.
الحل التقني الذي تحدث عنه مدير وكالة الحوض المائي لأبي رقراق الشاوية دائما ما يكون مكلفا لأصحاب المشاريع. أحيانا يدفعهم إلى التخلي عنها. كان هذا حال صاحب مشروع قريب من تجزئة «ليروش» العقارية الكبيرة، والتي أقيمت بمدينة بنسليمان. صاحب المشروع تملك أرضا توجد عليها بركة مائية، كما يوضح مدير وكالة الحوض المائي، ومن أجل الترخيص لإنجاز مشروع فرض عليه تفعيل حل تقني تمثل في إقامة قناة مائية تعمل على تفريغ مياه البركة ونقلها مسافة طويلة لتصب في بركة أخرى. «وافقنا على هذا الحل بعد التأكد من أنه لن يشكل أي مشكل للمحيط الذي ستنقل إليه مياه البركة. كان من المفترض مد القناة على طول ثماني كيلومترات. لكن الكلفة المرتفعة لهذا الحل التقني اضطرت صاحب المشروع إلى توقيفه»، يشرح الزروالي.
وبخصوص مشروع «شمس المدينة»، الذي يشير عدد من سكان مدينة بنسليمان إلى أن جزءا منه أقيم فوق بركة مائية كانت تتوسط «الغولف» الذي بني المشروع على أنقاضه، أوضح مدير وكالة الحوض المائي أن إدارته وافقت على المشروع بعد إنجاز صاحبه حلا تقنيا تمثل في إنجاز تغيير على مسار مياه، بحيث لم تعد تخترق البنايات التي كان يعتزم إنجازها. وبطبيعة الحال، فإن موافقتنا على تغيير مسار مجرى مائي لا تعني إحداث تغيير جوهري، بل إن الوضع يبقى على حاله ولا يؤثر التغيير على المحيط المحدث فيه».