لمياء جباري
سمحت الأسئلة الشفوية التي وجهها أعضاء مجلس النواب، يوم الاثنين الماضي، لفوزي لقجع بأن يشرح للبرلمانيين الضغوط المتعددة على المالية العامة. إذ اغتنم الوزير المنتدب لدى وزيرة الاقتصاد والمالية المكلف بالميزانية هذه الفرصة، لتقديم 3 خيارات لتخفيف الضغط على المالية العمومية، والإجراءات التي اتخذتها الحكومة لدعم المواد الأساسية.
3 خيارات لتخفيف الضغط على المالية العمومية
تطرق لقجع إلى ثلاثة خيارات ممكنة، من شأنها تخفيف ثقل الأسعار على المواطن، وضمان في الوقت نفسه السير العادي لحياة المجتمع. ويتمثل الخيار الأول، وفقا للوزير، في اللجوء إلى المقاصة للحفاظ على استقرار شامل للأسعار، وهو ما يتطلب جهدا ماليا يبلغ 74 مليار درهم، أي باعتمادات مالية إضافية تناهز 60 مليار درهم، مقارنة مع توقعات قانون المالية، مما يفرض إلغاء الاستثمارات العمومية للدولة، بما فيها تلك المتعلقة بالقطاعات ذات الأولوية.
ويهم الخيار الثاني، يضيف الوزير، تقليص الضرائب على المواد البترولية التي يبلغ مجموع مستوى مداخيلها السنوية المتوسطة 26 مليار درهم، مما سيؤثر سلبا على التوازنات الميزانياتية.
فيما يرتكز الخيار الثالث، وهو «الأمثل»، على استثمار كافة الهوامش المالية المتاحة، مبرزا أن الهدف يكمن في الحد من ارتفاع الأسعار «في إطار متوازن لا يضر بالمصالح العليا للوطن وللمواطنين، آنيا ومستقبلا».
وتوقف لقجع عند إشادة صندوق النقد الدولي بالإجراءات «الهادفة» التي اعتمدها المغرب، وتأكيد وكالة «S&P Global Ratings»، في أبريل 2022، التصنيف الائتماني للمغرب (BB+) بالنسبة إلى ديونه الطويلة الأجل بالعملة الأجنبية والعملة المحلية، مع نظرة مستقبلية مستقرة. وخلص إلى التأكيد على أهمية هذا التصنيف، باعتباره مرتكزا أساسيا لدى المستثمرين والمانحين ومختلف الشركاء الأجانب، في تحديد مستوى ثقتهم في الاقتصاد الوطني، وضرورة استحضار الحفاظ على قدرة الدولة على التدخل في كل الظروف «ما دمنا نعيش في اللايقين على المستوى العالمي، حيث يستحيل التكهن بما ستؤول إليه الأمور دوليا، أمام تفاقم الأوضاع الجيوسياسية».
صندوق المقاصة ما زال يدعم المواد الأساسية
قال لقجع إنه «ليس من الممكن وضع كل القدرات المالية للدولة لحل وضعية طارئة، على حساب مصلحة كافة المغاربة في التنمية، وفي إنجاز الأوراش والمشاريع الكبرى التي ينتظر منها تحسين حياة المغاربة على مختلف الأصعدة»، موضحا أن الدولة «فعلت كل الإمكانات المتاحة للدعم». وأبرز في هذا السياق، أن صندوق المقاصة «لا يزال يقوم بمهامه في دعم المواد الأساسية ذات الاستهلاك الواسع، الذي يهم جميع المواطنين»، مشيرا الى أن تكاليفه «ارتفعت بشكل كبير في هذه الفترة، لتقليص ارتفاع الأسعار، إضافة إلى مجهود مالي من خارج الصندوق». وفي معرض جوابه، تطرق لقجع بإسهاب إلى مختلف مظاهر انعكاس الأزمة العالمية على المغرب، والاستراتيجية التي اعتمدتها الحكومة في التعاطي مع هذه الأزمة والإجراءات المتخذة.
وأشار لقجع، في هذا الصدد، إلى أن سعر شحن القمح اللين بين الاتحاد الأوروبي والمغرب، عرف ارتفاعا مهما بلغ متوسطه 27 دولارا للطن، خلال الفترة الممتدة من يناير إلى أبريل 2022، أي بارتفاع بلغ 22 بالمائة مقارنة بالفترة نفسها خلال سنة 2021، مشددا على أن تكلفة القمح اللين الموجهة إلى المطاحن الصناعية بلغت ما يناهز 483 درهما للقنطار، مقابل السعر المستهدف المحدد في 260 درهما للقنطار، وبالتالي ارتفع سعر القنطار الواحد من القمح اللين، بسبب غلاء الشحن بـ223 درهما للقنطار. وبخصوص غاز البوتان، أشار لقجع إلى أن الدولة صرفت خلال الأشهر الأربعة الأولى من السنة الجارية ميزانية تقدر بـ7,3 مليارات درهم، مقابل 4,2 مليارات درهم خلال الفترة ذاتها من السنة الماضية، وأفاد بأن متوسط الدعم الممنوح من طرف الدولة، خلال الفترة الممتدة من يناير إلى ماي الجاري، بلغ ما يناهز 100 درهم عن كل قنينة غاز من 12 كيلوغراما، أي 71 بالمائة من الثمن الحقيقي لها. وأكد الوزير على أن هذا الدعم بلغ ذروته «التاريخية» ليصل إلى 116 درهما، وهو ما يمثل 74 بالمائة من الثمن الحقيقي لقنينة الغاز من 12 كيلوغراما والبالغ 156 درهما، مسجلا أن تكلفة دعم غاز البوتان ستناهز، خلال الفترة الممتدة ما بين يناير وماي 2022، 9,2 مليارات درهم. واستنادا إلى المستوى الحالي لسعر غاز البوتان، تابع لقجع أن التكلفة المتوقعة لدعم استهلاك هذا المنتج، خلال السنة الحالية، يمكن أن تصل إلى 22 مليار درهم، أي بزيادة قدرها 51 بالمائة مقارنة بالسنة المنصرمة. وفي ما يتعلق بدعم مادة السكر، أكد الوزير أن الحكومة واصلت دعمها للحفاظ على استقرار سعر بيعه على مستوى السوق الداخلية، مشيرا إلى أن الكميات المستهلكة من السكر المكرر تستفيد من دعم جزافي محدد في 2847 درهما للطن، مع احتساب الرسوم، فضلا عن استفادة واردات السكر الخام من دعم إضافي، يعادل الفرق بين ثمن استيراد السكر الخام، والثمن المرجعي المحدد حاليا في 5335 درهما للطن الواحد، نظرا لارتفاع سعر السكر الخام في السوق الدولية، والذي يناهز حاليا 460 دولارا للطن، وهو ما جعل تكلفة دعم السكر برسم الربع الأول من 2022 تناهز 1.476 مليون درهم، أي بزيادة تقدر بـ26 بالمائة مقارنة بالسنة الماضية. وعلى صعيد آخر، ولضمان استقرار تكلفة التنقل على المواطنين والسلع، أوضح لقجع أن الحكومة عمدت إلى تخصيص دعم استثنائي، على دفعتين، يتجاوز مليار درهم لفائدة مهنيي قطاع النقل الطرقي، حيث من المنتظر أن تستفيد من هذا الدعم نحو 180 عربة، مبرزا أن هذا التدبير يتوخى حماية تعريفة النقل وأسعار المنتوجات من أي انعكاس محتمل للارتفاع الدولي للأسعار، وبالتالي المحافظة على استقرار الأسعار في السوق الداخلية.
ارتفاع ملحوظ في أسعار المواد الطاقية
كما عرفت أسعار شحن المواد الطاقية، يضيف الوزير، ارتفاعا هاما صاحب الارتفاع المسجل بأسواق النفط والغاز، موضحا أن تكلفة نقل طن واحد من غاز البوتان من الولايات المتحدة إلى المغرب تراوحت بين 39 و73 دولارا، خلال الفترة الممتدة من يناير إلى 11 ماي 2022، لتسجل متوسطا قدره 53 دولارا بزيادة تصل إلى 11 بالمائة، وهو ما يعني أن الطن الواحد من غاز البوتان زاد بـ11 بالمائة، بسبب ارتفاع كلفة الشحن. ومن جانب آخر، سجلت أسعار نقل غاز البوتان داخل القارة الأوروبية ارتفاعات حادة، خلال سنة 2022، تأرجحت بين 32 و53 بالمائة، ليفرز ذلك ضغطا على تكلفة نقل غاز البوتان من أوروبا إلى المغرب، حيث تجاوز هذا الارتفاع 20 بالمائة. وبخصوص كلفة المواد البترولية، أكد المسؤول الحكومي أنها عرفت منحى تصاعديا، خلال الفترة الممتدة من يناير إلى 11 ماي 2022، حيث تأرجح سعر برميل النفط بين 80 و133 دولارا، أي بمتوسط 101 دولار للبرميل، موضحا أنه منذ بداية السنة الجارية إلى غاية 11 ماي الحالي، بلغ معدل البرميل الواحد 101 دولار، بزيادة قدرها 42 بالمائة مقارنة بالسنة الماضية، تبعا لذلك، يقول الوزير، عرفت أسعار الغازوال والبنزين ارتفاعا غير مسبوق، مسجلة منذ بداية السنة الجارية إلى اليوم، على التوالي، متوسطات تقدر بـ983 دولارا للطن بالنسبة إلى الغازوال، و1005 دولارات للطن بالنسبة إلى البنزين. وكشف لقجع أن سعر الغازوال يبلغ اليوم 1128 دولارا للطن والبنزين 1224 دولارا للطن، وهو ما أدى إلى ارتفاع ثمن الغازوال في المغرب بنسبة 30 بالمائة، بين فبراير وماي 2022، مشيرا إلى أن ثمن الغازوال في الولايات المتحدة الأمريكية ارتفع بنسبة 46 بالمائة، وهي المنتج الأول للبترول عالميا، كما ارتفع بـ46 بالمائة في الإمارات العربية المتحدة، وهي سابع منتج عالمي. وعلى مستوى أوروبا، أورد الوزير أن أسعار الغازوال ارتفعت، خلال الفترة نفسها، لتبلغ بتاريخ 9 ماي الجاري 2,056 أورو في ألمانيا، و2,041 أورو في بلجيكا، و1,89 أورو في إسبانيا، مسجلا أن ثمن الغازوال تجاوز 20 درهما في معظم الدول الأوروبية، وأن المنحى التصاعدي نفسه عرفته القارة الآسيوية، حيث ارتفع الثمن بـ20 بالمائة، و31 بالمائة في كوريا الجنوبية، وإندونيسيا سجلت ارتفاعا قارب 49 بالمائة خلال الفترة ذاتها.