ابن شاعرة ومدرس للرياضيات تتلمذ على يديه المهدي بن بركة
حسن البصري
في مدن فرنسية مثل تولوز وسانت إيتيان وتور، يحضر اسم باديو في عدد من الشوارع والساحات، الأمر يتعلق برايموند باديو، والد الفيلسوف الفرنسي المزداد في المغرب ألان باديو، لكن لهذا الأخير نصيب من التكريم وهو على قيد الحياة، فقد وضعت بلدية تولوز اسمه على مدرج بالجامعة اعترافا للرجل بصبيبه الفكري، لكن لا يوجد في المغرب أي تكريم لعائلة باديو بالرغم مما تعرضت له من اضطهاد خلال فترة وجودها في الرباط أو حين تعرضت للطرد من المغرب لأسباب سياسية.
ولد ألان باديو في الرباط عام 1937، كان والده ريموند مدرسا لمادة الرياضيات في ثانوية مولاي يوسف بالعاصمة، أما والدته الفرنسية فقد كانت شاعرة، وأنتجت خلطة بيولوجية من زواج عالم الرياضيات بشاعرة، ميلاد فيلسوف اسمه ألان ظل يشغل البلاد والعباد.
لم يكن والده ريموند مجرد مدرس لمادة الرياضيات، لم يقتصر دوره على تفكيك المعادلات الرياضية، بل كان يحمل فكرا ثوريا، حيث عرف بمواقفه المضادة للنزعات الاستعمارية، فتحول إلى عنصر مقلق لنظام فيشي، خاصة حين نادى باستقلال المغرب ووقف اضطهاد الشعوب.
حاولت حكومة فيشي قدر الإمكان الضغط على الإقامة العامة الفرنسية لتدجين مدرس الرياضيات ومنعه من مزاولة مهمته، وتحويله إلى مجرد إداري لكنه رفض. ومن الصدف الغريبة أن يكون من بين تلاميذ رايموند شاب يموت عشقا في الرياضيات مهووس بالفكر النضالي الذي يسكن مدرسه. إنه المهدي بن بركة الذي كان من نجباء الفصل الذي كان باديو الأب يشرف على تدريسه، وحسب شهادة ألان، فإن والده كان يشيد بنباهة المهدي ويتنبأ له بمستقل زاهر في علوم الرياضيات.
يروي ألان باديو عن طفولته في مدينة الرباط، عاصمة المملكة المغربية، وعن نساء مغربيات يخفين ملامحهن كن يترددن باستمرار على بيت أسرته، ويقضين ساعات في الحديث مع والدته التي كان يستهويها الحديث معهن حول كؤوس شاي من إعداد الجارات المغربيات.
شعرت السلطات الفرنسية بدور ألان الأب في تهييج التلاميذ ضد حكومة فيشي حين أصبحت فرنسا تحت حكم نظام المارشال فيليب بيتان، إثر الهزيمة التي لحقت بها من قبل ألمانيا النازية وحتى تحرير الحلفاء لها في الحرب العالمية الثانية، يوليو 1940. وكتبت حول مدرس الرياضيات العديد من التقارير السوداء التي عجلت بإصدار قرار الترحيل خارج المغرب.
يتذكر الفيلسوف وهو طفل كيف التف الجيران حول أسرته وهي تهم بمغادرة المغرب، ومدى التعاطف الذي جسده حضور العديد من التلاميذ إلى حيهم لإلقاء نظرة الوداع الأخيرة على أستاذ الرياضيات الذي ربى تلاميذه على النضال ضد المستعمر الفرنسي، وكان من بين المودعين فتى يافع اسمه المهدي بن بركة.
حزمت الأسرة الصغيرة حقائبها وغادرت صوب فرنسا، استقلت القطار نحو طنجة ومنها إلى مارسيليا قبل الانتقال إلى تولوز. يتحدث ألان عن طرد والده من المغرب من قبل حكومة فيشي، وانخراطه في المقاومة بتولوز حيث أصبح عميدا للتحرير سنة 1956، وعمدة للمدينة لأزيد من 14 سنة.
أما ألان فأصبح من أشهر الفلاسفة الفرنسيين، وقد كتب أيضا روايات ومسرحيات عديدة، وهو، إضافة إلى ذلك، مناضل سياسي يصنف ضمن أقصى اليسار، ودرس الفلسفة بالجامعات الفرنسية، لكنه ظل يعترف بفضل والده عليه كما جاء في كتابه «مدح الرياضيات».