إيقاظ المريض ثم حمله إلى المقبرة
يونس جنوحي
المارة هذه الأيام قرب بناية مسرح «سيرفانتيس» في مدينة طنجة، يمضون بسرعة غير عابئين بما يقع خلف السور القديم لهذه البناية التي تعد الأولى من نوعها في القارة الإفريقية.
هذا المسرح الذي صمد لأزيد من قرن من الزمن، يؤرخ لبدايات المسرح في المغرب، ويعتبر جزءا مهما من الذاكرة الجماعية للمغرب.
وطيلة السنوات الأخيرة كانت البناية مغلقة ومهملة، بحكم أنها كانت تابعة لإسبانيا، إلى أن تسلمها المغرب أخيرا في إطار اتفاقية بين السلطات بالبلدين، وتقرر أن يتم افتتاحه للعموم سنة 2024، بعد مباشرة أشغال ترميم وإصلاحات تعيد الحياة إلى ركح واحد من أقدم المسارح.
كان مسرح سيرفانتيس في السابق أرضا يسرح فيها الرعاة في الشمال قطعان الغنم، وكان يحج إليها السياح والمقيمون الأجانب في منطقة طنجة الدولية للترويح عن أنفسهم في المساء، قبل أن يقرر الإسبان تحويل الساحة إلى مسرح حقيقي وتشيد فوق تلك الأرض بناية «سيرفانتيس» التي افتتحت للعموم سنة 1913 كما هو مكتوب فوق واجهته التاريخية.
في تلك السنة، وفي عز الحرب في الريف، كان الجنود الإسبان الذين يعودون من الميدان نحو طنجة في انتظار الباخرة التي تقلهم بحرا إلى إسبانيا، يتابعون العروض الليلية في المسرح، حيث كانت تُلعب مسرحيات تاريخية من الأدب الإسباني القديم، وأخرى جديدة تتغنى بالجيش الإسباني. وخلال الحرب العالمية الأولى والثانية أيضا، كان مسرح «سيرفانتيس» موعدا للممنوعين من ممارسة الأنشطة الفنية في أوربا بسبب الحرب، حيث نظمت مسرحيات وعرضت أشرطة توثق لأحداث الحرب لكي تطلع عليها الجالية الأوربية في منطقة طنجة الدولية.
المشروع الذي يشمل تأهيل مسرح «سيرفانتيس» وإعادة فتحه للعموم، يهم أيضا الاهتمام بالمقابر الفينيقية في منطقة مرشان.
هذه المقابر التي كانت في السابق تبدو كحفر صخرية أمام المارة، دون أن توجد أي ألواح تقدم معلومات للسياح بشأن تاريخها القديم جدا والذي يؤرخ لعصور أخرى، كانت مجرد حفر تجمع فيها الرياح أوراق الأشجار وأحيانا حتى العلب الفارغة والقنينات البلاستيكية.
وحبذا لو يفكر القائمون على المشروع، خصوصا في شق ترميم مسرح «سيرفانتيس» القديم، أن يهتموا أيضا بما وراء ترميم الخشب والكراسي، وهو ترميم الذاكرة.
إذ إن الزوار يحتاجون اليوم إلى معرفة العروض التاريخية التي لعبت تحت سقف البناية، أكثر مما قد يسرهم دخولها بعد تجديدها وطلائها وتجديد ركح المسرح الذي لعب فوقه أساطير المسرح والسينما الأوربية خلال القرن الماضي. إذ إن أنطوني كوين، الممثل العالمي الشهير الذي لعب دور عمر المختار، مر بدوره من طنجة وزار مسرح «سيرفانتيس» بل وشارك في عرض مسرحي مع شباب محليين من مؤسسي المسرح، وأحدهم هو والد الكاتب الطنجاوي يوسف شبعة الحضري، والذي يتوفر على صورة لوالده الراحل، وهو يعدّل عمامة فوق رأس أسطورة «زوربا»، أنطوني كوين.
ترميم الذاكرة يبقى أهم من ترميم البنايات. وإذا كانت الاتفاقيات تجمع المسؤولين حول تنظيم البناء، فإن أمر الذاكرة يبقى موكولا إلى كل الغيورين على الثقافة. إذ إن افتتاح مسرح «سيرفانتيس» بعد انتهاء الأشغال، سيكون ناقصا إذا لم يضم أروقة تجمع تاريخ مسرح يُعتبر بلا منازع أحد أقدم مسارح القارة الإفريقية.
وهذا التاريخ ينام في الصور والوثائق وحتى التذاكر القديمة، التي قد يكون هناك مهووسون بجمع القديم منها لا يزالون على قيد الحياة. لذلك فإن ترميم المسرح بدون إنعاش للذاكرة والتوثيق لها، سيكون مثل إيقاظ مريض من غيبوبة طويلة جدا، وحمله مباشرة إلى المقبرة.