إنها مجرد انتخابات وليست قيامة
سيبدأ ممثلو الأحزاب السياسية المرشحون والمرشحات لتشريعيات 8 شتنبر، يوم غد الخميس، وعلى مدار 12 يوما في خوض غمار الحملة الانتخابية الحادية عشرة في التاريخ السياسي للمغرب المستقل. كل أنظار الأعداء والخصوم قبل الأصدقاء من الدول والمنظمات والمؤسسات الإعلامية تتجه لمتابعة هذه الاستحقاقات، وإعداد التقارير الإعلامية والاستخباراتية والحقوقية بشأنها. ولا شك أن هناك من سيستغل كل صغيرة وكبيرة، لنزع الشرعية عن هذه المحطة المصيرية، التي يراهن عليها الوطن لاستكمال بناء مؤسساته القوية وتعزيز جبهته الداخلية.
ولذلك فقبل أن يطلق بعض رموز الأحزاب السياسية العنان لألسنتهم السليطة وبياناتهم الشعبوية وسردياتهم المشككة في الاستحقاقات، لا بد أن يستحضروا سياقين يتجاذبان العملية الانتخابية المقبلة، سياق دولي وإقليمي جعل من المغرب هدفا لحملاته المسعورة، فقط لأن بلدنا يريد أن يتحول إلى سيد لقراراته، وسياق صحي غير مسبوق فرضته جائحة «كوفيد- 19»، يجعل من مجرد احترام الموعد الدستوري تحديا مليئا بالمخاطر ومزروعا بالفخاخ.
لذلك كان خطاب ثورة الملك والشعب الأخير متضمنا لرسائل واضحة، حيث وضع العملية الانتخابية في سياقاتها الوطنية والدولية، ورسم أهدافها السياسية والمؤسساتية، مشددا على أن إجراء الانتخابات التشريعية والجهوية والمحلية في اليوم نفسه، يؤكد عمق الممارسة الديمقراطية ونضج البناء السياسي المغربي، وأن الانتخابات مهما علا شأنها فهي ليست غاية في حد ذاتها، وإنما هي وسيلة لإقامة مؤسسات ذات مصداقية، تخدم مصالح المواطنين، وتدافع عن قضايا الوطن. إن دور الانتخابات، وفق الرسائل الملكية، يكمن في تعزيز الجبهة الداخلية لمواجهة الاستهداف الذي يتعرض له المغرب من خصومه وأعدائه.
لا يمكن بعد هذا التأطير الذي رسمت معالمه أعلى سلطة في البلد للانتخابات، أن يخرج أولئك الذين ينساقون خلال كل محطة انتخابية وراء رياضة المظلومية ولعبة تبخيس العملية الانتخابية، لاستهداف المؤسسات وتبخيس الاستحقاقات، فالوضع الحساس لا يحتمل لعبة الابتزاز، والسياق المتوتر لن يستوعب المس بسلامة العملية الانتخابية قولا أو فعلا.
نحن لسنا مع التغطية على الخروقات والتجاوزات التي يمكن تسجيلها هنا وهناك من هذا الحزب أو ذاك، وينبغي الضرب بيد من حديد على كل من يتلاعب بالسيادة الشعبية مهما كان وضعه، لكن لا يمكن أن تتحول ممارسات معزولة وخروقات متفرقة تعرفها كل انتخابات العالم إلى حملة سياسية وإعلامية ممنهجة، لنزع الشرعية عن ترتيبات العملية الانتخابية برمتها خدمة لأجندات معادية.
فالذي يترصد انتخاباتنا من دول معادية ومنظمات مناوئة لا يهمها الحقائق ولا يهمها الدلائل والموضوعية والنزاهة، ولن تجهد نفسها في التحقق من صحة المعلومة أو وجاهة الموقف، أو مقابلته بما يخالفه من أجل التوازن، كل ما يهمها هو أن تصدر مواقف تسيء إلى العملية الانتخابية من أفواه قيادات الأحزاب المتنافسة، لا سيما تلك التي تقود الحكومة، لتحولها إلى طوفان من الدعاية والأكاذيب، وتسوقها كأنها حقيقة مسلم بها. وستجد تلك الأجندات المعادية ضالتها في فيضان الخطابات التي تتهم بدون دلائل السلطات القضائية والإدارية بعدم الحياد، أو في وابل الاتهامات التي تدعي هيمنة المال على الانتخابات وغيرها من سرديات خطاب المظلومية.
على الطبقة السياسية أن تدرك أننا أمام تنافس انتخابي ديمقراطي عادي يفوز فيه البعض وينهزم فيه البعض الآخر، ولسنا في يوم قيامة يفنى فيه كل شيء.