إنكار الواقع
في اللحظة التي يعاني فيها ملايين المغاربة حربا يومية مع الأسعار لتأمين الحد الأدنى من معيشتهم وضمان مائدة غذاء في أبسط مظاهرها، أطلق بعض وزراء الحكومة قضايا زائفة من حيث الزمن والسياق، وبدل أن يشتغل الوزراء على قلب رجل واحد من أجل تقوية الجبهة الداخلية وتفادي الاصطفافات الإيديولوجية الحادة، والتركيز بشكل كبير على بناء أسس الدولة الاجتماعية، دخل وزير العدل في عملية إنكار الواقع العسير، وكأنه يعيش في عالم آخر محاولا إقناع المغاربة بأن المغرب لا ينقصه سوى الحسم في الحريات الفردية ليصل إلى دولة الرفاه.
لذلك فإن الدعوة اليوم إلى إنجاز الحريات الفردية وشرعنة ممارستها بالنصوص القانونية، هي دعوة غير مسؤولة، ولا تراعي حجم المخاطر التي تهدد وطننا بسبب عدم إشباع الحقوق الاقتصادية للمواطن. فليس كل قانون قد آن أوانه، وليس كل قانون آن أوانه نضجت شروطه وحضر رجاله.
ببساطة، يمكن للمواطن أن يحصل على قانون يسمح له بالإفطار العلني في رمضان، لكن هذا لن يخفض له من لهيب الأسعار. ويمكن للوزير أن يضع قانونا يشرعن شرب المواد الكحولية جهارا نهارا، لكن لن يكون لذلك أي أثر في تحقيق الأمن الغذائي والدوائي، ويمكن للسلطة أن تصنع قاعدة قانونية تسمح بالاختيارات الجنسية المثلية أو الغيرية بحرية، لكن ذلك لن يحل معضلة الريع والبطالة وتضارب المصالح.
نحن لا ندعو إلى تنحية النقاش العمومي حول الحريات وحقوق الإنسان بشكلها الشمولي، ولا نطالب بتغييبها عن المغاربة بالمطلق، لكن السياق الاجتماعي لا يسمح بأن تتصدر نقاشات مصطنعة قضايا المجتمع الحقيقية، بل هي، في هذا الظرف بالذات، قضايا ثانوية وكمالية أمام تحديات الدولة الاجتماعية والأمن الغذائي والصحي والطاقي والدوائي والتعليمي. وصدقا، على من يفتعلون النقاش العمومي المزيف حول الحريات الفردية أن يخجلوا من أنفسهم قليلا وهم يقرؤون أن 83.1 بالمئة من الأسر يقرون بتدهور مستوى المعيشة، وأن أزيد من 47 بالمئة من الأسر بالمغرب اضطرت للاستدانة من أجل الاستجابة للإنفاق خلال الربع الأول من 2022