شوف تشوف

الافتتاحيةالرئيسية

إنذارات لحليمي

بغض النظر عن زمن وخلفيات التصريحات الإعلامية، للمندوب السامي في التخطيط الذي لا يتحدث كثيرا، وبعيدا عن منطق الاصطفافات الوهمية، الذي يحاول أن يصنف الخروج الإعلامي لأحمد لحليمي في إطار الحرب الدائرة بين الحكومة ووالي بنك المغرب، فإن الحوار كان واضحا في إنذاراته التي دقت أجراس خطر حول ما هو قادم إذا لم يتم اتخاذ ما يلزم على مستوى السياسات العمومية والنقدية.

أول هذه الإنذارات إنهاء خطاب الظرفية والسياق الجيوستراتيجي والتقلبات المناخية، التي كانت تختبئ وراءها الحكومة، وأن كل مظاهر الأزمة المالية والاقتصادية والاجتماعية التي نعيشها، وفي مقدمتها شبح التضخم الذي ناهز معدل 10 في المائة، هي منتوج في أغلبيته محلي غذائي وليس مستوردا وبيتروليا فقط. وبعبارة لحليمي، فإن التضخم سببه صدمة العرض وليس كثرة الطلب على المواد الغذائية الفلاحية، وهنا تكمن المسؤولية الثابتة للحكومة، باعتبارها الجهة المؤسساتية التي تشرف على الإنتاج المحلي من المواد الفلاحية.

ثاني الإنذارات أن الإجراء الكلاسيكي برفع سعر الفائدة، الذي لجأ إليه والي بنك المغرب، خلال ثلاث مناسبات في سنة واحدة، من أجل كبح جماح التضخم، ظهر أنه غير مجد على الأمدين القريب والمتوسط، بل بالعكس سيخلف تداعيات سلبية على مستوى القدرة الشرائية للمدينين للأبناك وعلى الاستثمار والمشاريع والأوراش التي تم إطلاقها، وبالتالي فالحل ليس في الإسعافات الأولية والحلول الترقيعية، بل في التدخلات الجراحية في السياسات العمومية الحاضنة للسياسة النقدية، سيما في قطاع الفلاحة والطاقة والاستثمار. وهنا يوجه رسالة مبطنة لوالي بنك المغرب بضرورة الخروج من قوقعة المنظور النقدي الضيق والتنسيق بين السلطة النقدية والسلطة المالية الاقتصادية لتجاوز خطر السكتة القلبية.

ثالث الإنذارات يقول إن مشكل التضخم أصبح قدرا لا مفر منه، ومعضلة هيكلية داخلية لا بد من التعايش معها. وهذه مقدمة تمهيدية لنسيان مطلب تراجع الأسعار على الأقل في المدى القريب، فما دام أن التضخم مصدره العرض، وهو تضخم داخلي، فلا يمكن للأسعار أن تتراجع في المدى المنظور، ما لم تتم إعادة النظر في منظومة الإنتاج الفلاحي بالأساس. وهنا يحاول لحليمي مرة أخرى وضع المشكلة في ملعب السياسات العمومية والقطاعية، التي تنتجها الحكومة وليس الإجراءات النقدية برفع سعر الفائدة.

رابع الإنذارات مفاده أن معظم المخططات والاستراتيجيات، سيما المخطط الأخضر، وصلت إلى درجة الإشباع ولم تعد قادرة على مسايرة الطلب. وهذا يعني إعادة النظر بشكل عميق وجذري في المخطط الأخضر، صحيح أن هذا الأخير أنقذ المغرب في زمن كوفيد 19 وساير بثبات أربع سنوات من التقلبات المناخية القاسية، لكنه اليوم يعيش حالة اختناق ويحتاج إلى إعادة النظر في أولوياته ومنطلقاته الكلاسيكية، التي تقوم على قدرية السماء، دون الاقتناع بأننا أصبحنا أمام جفاف هيكلي ودوري. هذا يعني تحميل الحكومة مسؤوليتها في جعل الزراعة أقل اعتماداً على هطول الأمطار، حيث لا توجد سياسة زراعية فعالة ومزدهرة، بدون مدخلين رئيسيين؛ المياه والأرض. وهذه مسؤولية السياسات العمومية في بناء مشاريع تحلية المياه، التي تأخرت كثيرا وليس مجال السياسات النقدية الظرفية.

خامس الإنذارات يقول لا يمكننا تحرير أنفسنا من التضخم، في مثل هذا السياق الصعب، إلا إذا قدمت الحكومة حلولاً هيكلية، من حيث السياسات العامة. وبهذا المعنى، فإن سياسات الميزانية هي على وجه التحديد أداة العمل التي ينبغي أن تدعم القوة الشرائية للمواطن، والذي تدعو له الهيئات الدولية من صندوق النقد الدولي، وكالات التصنيف، وما إلى ذلك. وبالتالي فلا خروج من نفق الانهيار النقدي والاقتصادي إلا بالتكامل بين السلطتين، وبإنتاج بيئة اجتماعية آمنة تقوم على الزيادة في الأجور والرفع من الحد الأدنى والحماية الاجتماعية والسجل الاجتماعي، ومحاربة الريع والاحتكار وتقليص عجز الميزانية مع الحفاظ على الاستثمار ورفع وتيرة الإصلاحات الهيكلية في المجال الاجتماعي.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى