إكرام الميت تغريمه
المصطفى مورادي
طلبت أكاديمية طنجة- تطوان من أسرة أستاذ متعاقد متوفى إرجاع مبلغ ثلاثة آلاف وأربع مائة درهم، لكون الأكاديمية اعتبرت الوفاة انقطاعا عن العمل، وبالتالي يتوجب على ورثته إرجاع أجرة الأيام التي ترى هي أنه «انقطع فيها عن العمل»، بينما الحقيقة هي أنه انقطع عن الدنيا.
واعتبر مدير الأكاديمية الإجراء عاديا، حيث سيستفيد ورثة الأستاذ المتعاقد المتوفى، في المقابل، من منحة وفاة حددها القانون في أجرة 12 شهرا. إذن، في أوج التوتر بين الأساتذة المتعاقدين والوزارة، هاهي أكاديمية أخرى تثبت بالملموس أنها أصغر من أن تدبر التوظيفات. فبعد ملف أستاذة إيفران، التي تم طردها تعسفا قبل أن يتم إرجاعها لوجود خطأ في مسطرة العزل، وبعد ملف أستاذين في آسفي تم إخبارهما بكونهما «غير ناجحين» بعد مرور مدة على التحاقهما بمركز تكوين الأساتذة، ها هي حالة أخرى لأستاذ توفي أثناء مزاولة عمله، وبدل أن تنهج أكاديمية طنجة خطة تواصلية ذكية تجمع بين القانوني والإنساني والاجتماعي، فإن المسؤولين في الجهة اختاروا الظهور بمظهر «الحريصين على المال العام» في استعراض عبيط للسلطة، بينما كان بالإمكان تطبيق القانون ولكن بطرق أذكى من البلادة التي ظهرت جليا في رسالة تقول على لسان صاحبها إنه «يشرفه» أن يطلب من الورثة إرجاع المبلغ المذكور لكون «المرحوم في حالة انقطاع عن العمل».
إننا قد نفهم حرص مدير الأكاديمية على الظهور بمظهر «الحازم» لكون المناخ العام لتدبير الوزارة لملف المتعاقدين يطبعه الكثير من الارتجال، حيث أضحى التنافس بين المسؤولين جهويا وإقليميا على إظهار الشدة والحزم، لكون أمزازي أمر بذلك. لكن ما لا يمكن فهمه إطلاقا هو أن يتم الخلط بصفاقة بين حالة الموت وحالة التغيب عن العمل. فهذا الشاب المتوفى كان طالبا باحثا في الرياضيات، وشكل توظيفه في الجهة قيمة مضافة بشهادة تلامذته، لذلك كان يمكن للأكاديمية أن تنظم تأبينا رسميا له، تستدعى فيه أسرته وزملاءه، وتجهز باسم الأكاديمية شهادة اعتراف تخلد ذكراه، شهادة لن تكلف طباعتها أكثر من 15 درهما. ويتم في حفل التأبين هذا تقديم رسمي لشيك يحمل مبلغ منحة الوفاة ويتم اقتطاع مبلغ «الانقطاع عن العمل» من المبلغ الإجمالي للمنحة. والأهم هو أن الأكاديمية ستربح آلاف الأساتذة المتعاقدين في الجهة والذين يعتبرون الأساليب التي تتم مخاطبتهم بها في الإعلانات والمراسلات أقرب إلى العبودية منها إلى التوظيف المتعارف عليه. فإذا كانت الأكاديمية مصرة على اعتبار المرحوم مجرد موظف ورقم تأجير، فإنه بالنسبة لأسرته هو ابن وأخ وعم وخال، وبالنسبة لزملائه الأحياء دليل واضح على أن التوظيف بالعقدة، وبالشكل الموجود حاليا، هو عبودية ترجع بنا إلى القرون الغابرة، حينما كان السيد يبيع جثة عبده لذويه لتعويض خسارته هو لا خسارة أهله.
بعض «متسولي» النعمة في الأكاديمية والمديريات الإقليمية التابعة لها، يحاججون بكون صرف المال العام يخضع للقانون وحده، وهي نفس حجة مدير أكاديمية طنجة وهو يرد على الضجة الإعلامية التي خلفتها مراسلته المشؤومة. لكن هؤلاء، وعلى رأسهم المسؤول الجهوي المذكور، يتجاهلون حقيقة أن الأكاديميات هي مؤسسة تدبيرية. فمثلما يشتغل كل مديري الأكاديميات بما يسمى «hors budget» فضلا عن تحويل أشطر الميزانيات السنوية من مجال إلى مجال قصد تغطية مصاريف «المستجدات والطوارئ»، ويسمون هذا تدبيرا، فإنه كان بالإمكان القيام بتدبير إنساني لملف الأستاذ المرحوم بطرق لا تتنافى مع القانون ولكن، في الوقت نفسه، تعطي لذويه وزملائه رسائل إنسانية هم في حاجة إليها. وإلا هل «زوج فرانك» التي تتضمنها منحة الوفاة هي التي ستعوض أسرته خسارتهم الجسيمة؟ لذلك قلنا وسنقول، إن إذكاء التوتر والاحتقان بين الوزارة والأساتذة المتعاقدين لا يخدم أي أحد، وإن المتضرر الكبير هو المنظومة لأن الجميع سينهزم.