إفطار ملكي بطعم خاص
حل رئيس الحكومة الإسبانية، بيدرو سانشيز، أمس، بالمغرب بدعوة من الملك محمد السادس، بعد حوالي سنة من سوء الفهم الكبير بين الرباط ومدريد. وتخلل حضور ضيف المغرب إجراء مباحثات رسمية مع ملك البلاد، توجت بإقامة مأدبة إفطار ملكية بطقس شبه عائلي على شرف رئيس الحكومة الإسبانية، تجسد لحظة «تفاهم» واضحة.
فكل الإشارات الصادرة من القصر وبلاغات الديوان الملكي تحيل إلى أننا لسنا بصدد زيارة ديبلوماسية عادية عابرة، فيوميا تستقبل بلادنا عددا مهما من كبار مسؤولي الدول لتعزيز العلاقات الثنائية، كانت آخرها الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلنكن للرباط وحظي فيها باستقبال رئيس الحكومة، لكن زيارة رئيس الحكومة الإسبانية لها طابع خاص وتتميز بالتشدد في أربعة أمور، أولا، أنها زيارة دولة كانت بدعوة كريمة من الملك محمد السادس، وزيارة الدولة هي الأعلى مستوى بين أنواع الزيارات التي تتم بين قادة الدول ورؤساء الحكومات، ولها مراسيمها الخاصة وبرامجها المميزة. ثانيا الزيارة واكبها تحضير محكَم كان التنسيق فيه على مستوى عال بين الرباط ومدريد، ثالثا دقة المراسيم البروتوكولية الخاصة بالزيارة بحيث كانت مناسبة لإشعار رئيس الحكومة الضيف بأهميته ومكانة دولته لدى أعلى سلطة في الدولة المغربية. رابعا أن الزيارة تأتي في إطار تحول ديبلوماسي جذري في العلاقة بين البلدين، وهو ما أضفى عليها طابع الخصوصية.
من هنا يتضح أن زيارة سانشيز ليست عادية بكل المقاييس، لقد أصر ملك المغرب على أن يعطيها بعدا خاصا، لما تحمله مستقبلا من رهانات جيو-استراتيجية بين البلدين بعد الانعراجة التاريخية التي حدثت في مواقف الديبلوماسية الإسبانية تجاه وحدتنا الترابية، ودعمها لأول مرة بشكل علني ورسمي لمبادرة الحكم الذاتي باعتبارها الأساس الأكثر جدية وواقعية وصدقية لحل نزاع الصحراء المغربية المفتعل.
إننا، إذن، أمام بداية تحول جديد في العلاقات المغربية الإسبانية، بأسلوب جديد مبني على التشاور والتوافق والتنسيق بين البلدين بعيدا عن المواقف الانفرادية. فالبلدان معا يدركان جيدا أنهما يمتلكان أوراقًا سياسية حيوية ومهمة على الصعيدين الإقليمي والدولي ويمكنهما التكامل الفاعل سياسيًا لتقديم خدمات ومنافع متبادلة بينهما وفق قاعدة رابح-رابح.
إن العلاقات بين البلدين اليوم، بعد الأزمة الديبلوماسية الأخيرة، ليست كما كانت قبلها، فقد حصل الاقتناع داخل أعلى مراكز القرار بالرباط ومدريد أنها ينبغي أن تتشكل مجددًا على أساس قواعد أخرى غير تلك التي سادت منذ أكثر من أربعة عقود، ولا يمكن أن يتحقق ذلك سوى بزيارة دولة وعلى مأدبة إفطار ملكي بطعم خاص.