شوف تشوف

شوف تشوف

إسلام فرنسي حلال 2.2

من يتابع هذه الهجمة ضد الإسلام في فرنسا يعتقد أن الأمر جديد، والحال أن فرنسا لديها ماض عريق في اضطهاد الأجانب بسبب معتقداتهم.
صنعت ذلك مع اليهود طيلة ألف سنة وطردتهم أربع مرات، حتى أن لديها قديسا اسمه سان لوي كان متخصصا في اضطهاد اليهود.
فرنسا عاشت صراع الكاثوليك ضد البروتيستانت ومذابح وتهجير الناس بسبب معتقداتهم إضافة إلى ثلاثة قرون من الحرب الأهلية، ومع ذلك يبدو أن الفرنسيين لم يستخلصوا الدروس من تاريخهم.
فرنسا لا تخجل اليوم من معاقبة مواطنيها من أصول أمازيغية أو عربية أو مسلمة حسب عرقهم إذا ما أدينوا بالإرهاب، فقد فرضت قانونا يعطيها حق سحب الجنسية الفرنسية عن هؤلاء المواطنين وإعادتهم إلى بلدان أجدادهم الأصلية، رغم أنهم ولدوا وترعرعوا فوق التراب الفرنسي، عِوَض الحكم عليهم بالمؤبد وتركهم في السجون الفرنسية، وهذا يكشف مدى تغلغل العقلية الاستعمارية في الدولة العميقة الفرنسية.
إيريك زيمور الصهيوني الهوى طالب بكل حرية في القناة العمومية الخامسة بتخيير مسلمي فرنسا بين التخلي عن الإسلام أو مغادرة التراب الفرنسي.
فهؤلاء المسلمون كانوا صالحين عندما شيدوا فرنسا بأذرعهم وعرقهم واستعملتهم الجمهورية كدروع بشرية في حروبها الإمبريالية ضد الشعوب التي استعمرتها ونهبت خيراتها، أما اليوم فهم وأبناؤهم مجرد مشكل يجب التخلص منه، وليس بمنح الرئيس السابق فرانسوا هولاند الجنسية الفرنسية لثمانية وعشرين من الرماة السينغاليين الذين حاربوا في صفوف جيشها سينسى السينغاليون ما فعلته فرنسا بهم، كما أنه ليس بإعادة ماكرون لبضعة جماجم لشهداء جزائريين سينسى هؤلاء قرنا وثلاثين سنة من الاضطهاد.
التاريخ ليس قائمة طعام نختار منها ما يثير شهيتنا ونستثني ما يثير فينا الغثيان. التاريخ شاهد لا يعطي رأيه بل يحكي بتجرد ما وقع.
فرانسوا فيون، المحكوم قضائيا بأكثر من فضيحة والمرشح السابق للرئاسة، سبق له أن قال إن أطفال فرنسا عليهم ألا يخجلوا من تاريخ بلدهم، ففرنسا لا يجب أن تخجل من كونها أرادت اقتسام ثقافتها مع الشعوب الإفريقية.
والواقع أن فيون كان عليه أن يقول إن فرنسا يجب أن تعترف بماضيها الإمبريالي والاستعماري، فهي لم تذهب نحو الشعوب من أجل نشر ثقافتها بل من أجل استعبادها وذبح أبنائها واستنزاف خيراتها وفرض لغتها وثقافتها بقوة الحديد والنار .
وحتى عندما غادرت فرنسا مستعمراتها فقد تركت فيها مقيما عاما قويا اسمه “اللغة الفرنسية” تنوب عن “الوجود الفرنسي” في تأبيد الاستيلاب الثقافي الذي يعتبر أشد أنواع الاستعمار فتكا.
فرنسا اليوم أنشأت مؤسسة اسمها “إسلام فرنسا” ووضعت على رأسها مسيحي هو جون بيير شوفينمان وزير الداخلية الأسبق، وهذه المؤسسة في الحقيقة هي بمثابة الكليرجي، أو الإكليروس، ولكي “يبزروا” عليها فقد عينوا فيها الطاهر بنجلون كعضو بمرسوم رئاسي، وكتبت لوفيغارو اليمينية مبتهجة بأن الطاهر لم يعد يصلي صلواته الخمس منذ مدة، وكأن هذا في حد ذاته إنجاز عظيم، مع أنه في الإسلام ليست هناك وساطات بين المسلم وربه، إذ لا رهبانية في الإسلام.
وقبل ذلك تحدثت نادين مورانو مرشحة اليمين السابقة للرئاسيات عن “غزو إسلامي” لفرنسا، محذرة مثقفي فرنسا من حرب أهلية قادمة بين المسلمين والفرنسيين.
هل هي مصادفة، إذن، أن تتزامن كل هذه النكبات على مسلمي أوربا في هذه الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعيشها القارة العجوز، وفرنسا على وجه الخصوص؟
ليس هناك مكان للصدفة، كل شيء مخطط له بإحكام شديد، فالقرن الواحد والعشرون، كما تنبأ له بذلك أندريه مالرو، سيكون دينيا أو لا يكون.
لكن هذه الحرب، الخفية تارة والمعلنة تارة أخرى، ضد الوجود الإسلامي في أوربا والغرب عموما، وفرنسا بشكل خاص، تأخذ أشكالا «ديمقراطية» و«قانونية» حتى لا يظهر العالم الحر والمتقدم عاريا على حقيقته، فتتحطم الصورة المثالية التي يريد تقديمها عن نفسه كمجتمع يعطي الدروس حول الأخلاق والمبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان الفردية والجماعية لدول العالم الثالث وبلدان العالم «المتوحش».
لذلك، فالعالم «الحر» يتخذ قراراته من أجل التضييق على المسلمين بطريقة جد ديمقراطية، وذلك عبر الاستفتاء والتصويت وقوانين الهجرة التي يصوت عليها ممثلو الشعب في البرلمان ومجالس الشيوخ.
الغرب وحكماؤه يعرفون أنه بحلول عام 2050 سيشكل المسلمون نسبة 20 % من سكان أوربا بعدما كانوا لا يزيدون عن 5 %، أي أن الأسماء التي ستكون أكثر تداولا في أوربا بعد أربعين سنة من الآن هي محمد وعائشة وآدم وريان وأيوب ومهدي وأمين وحمزة وفاطمة، وهذا وحده يشكل بالنسبة إلى الفاتيكان، المحرك الحقيقي لسياسات قادة الدول المسيحية، كابوسا مخيفا.
والرسالة التي تريد هذه الحكومات الأوربية إيصالها إلى مسلمي أوروبا، وخاصة فرنسا، واضحة بما لا يدع مجالا للشك، وهي أن المكان لم يعد يتسع لهم، وأن عليهم أن يختاروا، إما أن يندمجوا كليا في المجتمعات الأوربية ذات الثقافة المسيحية أو أن يرحلوا إلى بلدانهم حيث يستطيعون ذبح خرفانهم ورفع آذانهم وصيام رمضانهم وارتداء الثياب التي تحلو لهم.
هذا هو عمق دعوة المفكرين الفرنسيين حول قضية الهوية الوطنية وخطر “الانفصال الإسلامي” الذي يبشر به ماكرون، فإما أن يقبل المسلم في فرنسا بالانسلاخ والتجرد من جذوره الإسلامية العربية أو الإفريقية أو الأمازيغية لكي ينتمي بالكامل إلى العرق الفرنسي والثقافة الفرنسية والهوية الفرنسية مسيحية الأصول، وإما أن يعود إلى حيث توجد جذوره التي يتمسك بها.
إن وضع أوربا، كقارة تجمع دولا تتفق جميعها على احترام المبادئ الديمقراطية، لا يسمح لها بأن تقوم بإحياء محاكم تفتيش جديدة على الطريقة الكاثوليكية لطرد العرب والمسلمين من أراضيها كما وقع في إسبانيا، ولذلك تلجأ إلى استعمال القوانين للضغط وإحراج ومضايقة وإهانة هؤلاء المهاجرين، مثلما فعلت الشرطة الفرنسية قبل سنتين مع فرنسي من أصول إفريقية عندما قامت بإدخال عصا في دبره، حتى يفهم المهاجرون أن الأمن والخلاص يكمن في عودتهم إلى بلدانهم.
إنها، في نهاية المطاف، حلقة جديدة ومعدلة ومنقحة من مسلسل «محاكم التفتيش» التي اعتاد الغرب المسيحي القيام بها كلما أحس بزحف الإسلام والمسلمين على أراضيه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى