إسرائيل.. إيران و«حرب الشمال الأولى»
أنطوان شلحت
عاد الموضوع الإيراني إلى موقع أكثر تصدرا في الأجندة الإسرائيلية العامة، مع تسلم إدارة جديدة برئاسة الديمقراطي، جو بايدن، سدة الحكم في الولايات المتحدة، وظهور إشارات إلى نيتها العودة إلى الاتفاق النووي المبرم مع طهران سنة 2015 والذي انسحبت منه إدارة دونالد ترامب الجمهورية، تماشيا إلى حد ما مع ضغوط مارستها إسرائيل عليها.
ويكمن أحد أسباب عودته في الوقت الراهن، على الرغم من أزمة فيروس كورونا وتداعياتها غير المسبوقة صحيا واقتصاديا، وعلى الرغم من عدم الاستقرار السياسي المستمر منذ عامين، ليس فقط في ما يدفع نحوه رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، إنما أيضا في ما يوصف بأنه دخول قوي لرئيس هيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي، الجنرال أفيف كوخافي، على خط المحذرين من أن العودة إلى الاتفاق النووي ستكون بمثابة خطأ فادح، وخطوة ذات عواقب وخيمة إقليميا وعالميا على حد سواء. واشتمل دخوله هذا، في أكثر من مناسبة، على إعلان صريح مفاده أنه أصدر تعليمات إلى الجيش الإسرائيلي، تقضي بإعداد بعض الخطط العملانية لمواجهة إيران عسكريا، وتأكيده أنه يجري العمل على تنفيذها بسرعة.
تختلف التقييمات في إسرائيل حيال فعلة كوخافي هذه، وما هي دوافعها المباشرة والخفية. ثمة من يتهمه بمجاراة جوهر السياسة التي يتبعها نتنياهو، وبالذات حيال إيران ومنطقة الشرق الأوسط. وهناك من يعتقد أنه لولا هذه الفعلة ما كان المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر للشؤون السياسية – الأمنية ليسمح لسلاح الجو الإسرائيلي، بعد ثلاث سنوات من الانتظار، بشراء مزيد من المروحيات والطائرات الحربية وطائرات التزود بالوقود بنحو عشرة مليارات دولار، كما قرر في مطلع الأسبوع الماضي.
في واقع الأمر، تفيد متابعة التطورات في الآونة الأخيرة بأن تحذير كوخافي من إيران غير مقتصر على مسار برنامجها النووي وأبعاده، في ما يتعلق بإسرائيل ودول أخرى في الإقليم، بل يتعداه إلى التحذير من مغبة اقتراب إسرائيل مما تنعت بأنها «أخطر حرب في تاريخها»، والتي سبق لمعهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي أن سماها «حرب الشمال الأولى».
من ناحية وقائعية، تحدث كوخافي عن هذه الحرب، في خطاب له أمام مركز هيرتسليا المتعدد المجالات، يوم 25 دجنبر 2019. وبحسب تحليلات ظهرت في وسائل إعلام إسرائيلية في حينه، وجه من خلاله ثلاث رسائل جلية: الأولى، الصدام بين إسرائيل وإيران يمكن أن يؤدي إلى حرب مع طهران وحلفائها. الثانية، ستكون هذه الحرب مختلفة عن كل الحروب التي عرفتها إسرائيل، ولن يدفع ثمنها الباهظ المقاتلون في الجبهة فحسب، بل أيضا السكان المدنيون في الجبهة الداخلية، نظرا إلى أنه ستسقط فيها صواريخ كثيرة جدا. ولن يكون من السهل على الجيش الحيلولة دون ذلك. الثالثة، الجيش الإسرائيلي مُجبَر في هذه الحرب على تحقيق انتصار واضح، وبشكل رئيس من أجل تجديد الردع حيال «أعداء إسرائيل»، وبهدف إيجاد فترة هدوء طويلة بعدها.
وفي وقت لاحق، أفاد كوخافي بأن الجيش الإسرائيلي يكيف أنماط القتال التي سيلجأ إليها في حال اندلاع هذه الحرب على خلفية تمركز حزب الله، وحركة حماس وغيرها من فصائل المقاومة، في المناطق الحضرية، وفي قلب المناطق الآهلة بالسكان المدنيين في كل من لبنان وقطاع غزة. ووجه تهديدا إلى اللبنانيين والفلسطينيين قائلا: «سيتعين عليكم مغادرة أماكن سكناكم فهي مشبعة بالصواريخ والقذائف، وهذه المناطق ستغمرها هجمات الجيش الإسرائيلي. ومَن يقرر عدم المغادرة يفعل ذلك على مسؤوليته الخاصة!».
وتشير التوقعات الإسرائيلية إلى أن ثمن هذه الحرب سيكون باهظا جدا، حيث سيطلق في اتجاه إسرائيل 1500 صاروخ يوميا خلال القتال، وهناك آلاف الصواريخ التي تحمل رؤوسا حربية تزن نصف طن ستضرب منطقة الوسط، وسيقتل آلاف الإسرائيليين فيها.. وسيحدث ذلك كله من أجل «إيجاد فترة قبيل الحرب التالية»، كما وصف أحد خبراء الأمن القومي الهدف الأوضح لها.