شوف تشوف

الرأي

إذ يصبح التطبيع بديلًا عن التحرير (2/2)

الدنيا تغيرت، وعالم الخمسينيات والستينيات اختلف عن عالم الألفية الثانية. وذلك يقتضي إحداث تغيير في الخطاب والحسابات ووسائل إدارة الصراع.
هذا كله صحيح من الناحية النظرية. غير أن تنزيل الفكرة على الأرض يطرح عدة أسئلة على رأسها السؤال التالي:
ما الذي تغير في ملف الصراع بحيث استدعى إعادة النظر في موقف المقاطعة الذي تقرر منذ عام 1951؟
الإجابة المنصفة على السؤال تقول إن الموقف الإسرائيلي الأساسي لم يتغير، بل إن السلطة ازدادت تمكينا وشراسة وجرأة في سعيها للتمدد والاستيطان وقهر الفلسطينيين وحصارهم. كما أن المجتمع ازداد يمينية وعداء للفلسطينيين والعرب.
وهو ما تشهد به فتاوى الحاخامات وجرائم المستوطنين وتزايد معدلات حضور الأحزاب الدينية الموغلة في التطرف في الحكومة والبرلمان (الكنيست).
وبينما أن الطرف الإسرائيلي ازداد استعلاء واستكبارا، فإن الطرف العربي ازداد تشرذما ووهنا. وهو ما تجلى في جوانب عدة كان بينها الموقف من المقاومة ومن التطبيع. الأمر الذي دعاني إلى القول في مرة سابقة بأن العرب الذين أعلنوا في الماضي أن فلسطين قضيتهم المركزية، أصبحوا الآن عبئا على القضية. بل زعمت بأن أكبر خدمة تقدمها الأنظمة العربية الراهنة للقضية هي أن ترفع أيديها عنها وتكف عن العبث بها.
ومن المفارقات أنه في حين دب الوهن في أوصال الدول العربية بحيث فقدت حماسها وضعفت فيها المقاطعة، فإن حركة المقاطعة العالمية ضد إسرائيل (بي. دي. إس) برزت في الغرب وحققت نجاحات لا بأس بها منذ إنشائها عام 2005.
إذ انطلقت من موقف أخلاقي استلهم حركة الحقوق المدنية في الولايات المتحدة بقيادة مارتن لوثر كنج وحركة النضال ضد الفصل العنصري في جنوب إفريقيا بقيادة نيلسون مانديلا.
والثابت أنها أزعجت إسرائيل لدرجة أن الكنيست استنفر ضدها وأصدر لها في عام 2011 قانون المقاطعة لملاحقة الداعين إليها،
وقد وافقت عليه المحكمة العليا في عام 2015.
مع ذلك صار معلنا وواضحا أن الدعوة إلى مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها ــ حققت نجاحات نسبية في أوساط مختلف الأجيال في الغرب، لأسباب تتعلق بعدالة القضية والموقف الأخلاقي إزاءها. وثمة حملة مضادة لها في الولايات المتحدة أدت إلى حظر المنظمات الداعمة للحقوق الفلسطينية ومنها منظمة «طلاب من أجل العدالة في فلسطين» بجامعة نورث إيسترن في بوسطن. كما أدت الحملة إلى إصدار أحكام قضائية ضد الطلاب الناشطين في ذلك المجال وهو ما حدث في كاليفورنيا.
خلاصة الكلام أنه بينما استمرت جريمة الاحتلال، فإن فكرة المقاطعة تراجعت.
وهي التي كانت الحد الأدنى للمقاومة وورقة التوت التي سترت عورة العجز والهزيمة.
وما كان لذلك أن يحدث لولا تراجع فكرة التحرير ذاتها، منذ ابتذلت وتحولت إلى غطاء للتنسيق الأمنى مع إسرائيل، أو إلى عنوان تاريخي بغير مضمون يتجسد على الأرض.
في هذا الصدد لا مفر من الاعتراف بأن توقيع السادات لمعاهدة السلام مع إسرائيل في عام 1979 حقق ثلاث نتائج غاية فيي الخطورة في مسيرة الصراع، الأولى: أنه أخرج مصر من قيادة الصف العربي.
الثانية: أنه فتح الباب لإضعاف فكرة التحرير لصالح التمهيد للتطبيع.
الثالثة أنه حول السلام من رسالة نضالية إلى عملية تفاوضية وهمية بلا هدف أو أجل.
وإذا ذهبنا فى التحليل إلى أبعد وأعمق، سنجد أن الوهن الذي أصاب الصف العربي وبروز خيار التطبيع بديلا عن التحرير يمثل عرضا لمشكلة أكثر تعقيدا. إذ يتعذر أن نفصل بين حدوث ذلك الانكسار وبين تزايد النفوذ الأمريكي والغربي في العالم العربي منذ ثمانينيات القرن الماضي وعقب سقوط الاتحاد السوفييتي في التسعينيات.
ولا ننسى أن السادات الذي وقع اتفاقية «السلام» مع إسرائيل هو من قال أكثر من مرة إن 99٪ من أوراق اللعبة في يد أمريكا.
إذا صح ذلك فهو يعني أن التحرير الحقيقي لفلسطين لن يتم إلا بتحرير الإرادة العربية من النفوذ الغربي.
وذلك يسلط الضوء على الأهمية البالغة لاستعادة الديمقراطية في العالم العربي، كما أنه يفسر الاحتشاد الذي تم بين عناصر الثورة المضادة وبين القوى الرجعية للانقضاض على الربيع العربي والعمل على إفشاله. وكانت نتائج ذلك الانقضاض واضحة في دفع حركة التطبيع، حتى اعتبر بعض الحاخامات أن ما جرى كان معجزة إلهية أرسلتها المقادير لإسرائيل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى