حسن البصري
اهتم الناس بانهيار بيوت السكان في أعقاب الزلزال الذي ضرب الحوز وتارودانت وشيشاوة، لكنهم لم ينتبهوا إلى ما حصل لكثير من دور الرعاية الاجتماعية التي تهدمت أو تصدعت حيطانها، فزاد الزلزال من نكبة مؤسسات كانت تؤوي أطفال المناطق المنكوبة.
حين تنهار بناية «خيرية» تصبح النكبة مضاعفة، فيبكي اليتيم بحرقة لرحيل من يتقاسم معه اليتم والهشاشة، وحين يضرب زلزال أجساد أطفال تعرضوا لزلازل نفسية، تكون الفاجعة مركبة والدموع مجمدة والآهات مصادرة.
لا أحد يصدق أن ثواني الرعب القليلة كانت كافية لجعل دواوير بأكملها دارا مفتوحة للرعاية الاجتماعية، ولا أحد كان يصدق أن بضع ثوان تكفي لمسح تجمعات سكنية من الخريطة، وأن هذه المدة الزمنية القصيرة لن ترمم كسورها النفسية سنوات التضامن والتآزر وعقود المواساة وأطنان المساعدات وشحنات الحبر، التي سكبها الشعراء في صياغة المرثيات.
كان التعاون الوطني يحصي أيتامه، فغضبت الداخلية وحذرت من تضارب في الأرقام وفي العلل والأسقام، لكن مشاريع إعادة إعمار المناطق المنكوبة تقتضي حضور الهم الاجتماعي، والعمل على بناء مؤسسات خيرية تراعي أولا ارتفاع عدد الأيتام، وتراعي أيضا احتياجات حاملي صفة مكفولين.
في زلزال أكادير تمت إعادة انتشار الأيتام ومفقودي الآباء وأبناء مجهولي المصير، من طرف التعاون الوطني برئاسة الأميرة لالة عائشة، التي ركزت جهودها على إغاثة هذه الفئة من الأطفال، الذين كانوا في حاجة إلى أسر ترعاهم أو مؤسسات تؤويهم، قبل الحاجة إلى الخيام والغطاء والغذاء.
من أكادير إلى تارودانت إلى الدار البيضاء ووجدة، ثم بلجيكا وفرنسا، تعددت نقاط توزيع أطفال لا معيل لهم، لكن المجتمع المغربي أعلن نفسه كفيلهم، ومع مرور الأيام كبر أطفال الزلزال ومنهم من هرم من أجل لحظة العثور على أسرته البيولوجية، ومنهم من أعياه النبش في الأصول ومطاردة الجذور كما يطارد أبله خيط دخان، ومنهم من مات دون أن يجد من يقتني له كفنا.
في جماعة إيغيل وفي مولاي إبراهيم وأمزميز وغيرها من بؤر الزلزال، سقطت الخيريات تباعا وفقدت في ثوان قليلة عشرات النزلاء تحت الأنقاض. وحين أرخى الليل ستائره استسلم النزلاء للنوم، بعد أن راوغوا أمعاءهم بخبز وقطعة جبن وحساء.
غدا سيعيش بين ظهرانينا أطفال يحملون صفة مكفولي الأمة، يعيدون إلى الأذهان نزلاء دار أبناء الشهداء بالحي المحمدي التي تأسست سنة 1957 من طرف الملك محمد الخامس، وعاش في مراقدها أبناء رموز الحركة الوطنية من مختلف ربوع المغرب، قبل أن تتحول إلى دار لرعاية الأشخاص في وضعية إعاقة.
على حيار أن تستحضر وهي تعيد ترميم دور رعاية الأيتام والمسنين ومراكز مساعدة ذوي الاحتياجات والنساء في وضعية صعبة، مؤسسات الغد التي لا يقتصر دورها على إطعام وإيواء الأيتام والمعوزين، إلى دور للرعاية والإدماج الاجتماعي، قادرة أن تتحول في النكبات إلى فضاء للخير والإحسان.
لا نريد «خيريات» تجسد على أرض الواقع «اليد السفلى»، بل نتطلع إلى مؤسسات اجتماعية بمثابة منارة للتضامن الوطني، تقف إلى جانب المكلومين في الزلازل الطبيعية والنفسية، وتضفي على قوانينها الأساسية مرونة تجعلها قادرة على تجاوز أدوارها التقليدية كفضاء لإطعام ستين مسكينا.
حين انهارت دور البسطاء في ملاح مراكش، نزعت الجمعية الخيرية لسيدي بلعباس بالمدينة الحمراء رداءها القديم وسارعت إلى دعم ضحايا الزلزال، ووفرت يوميا ثلاث وجبات غذائية للأسر المكلومة، كما شرعت في بناء جناح خاص بمواصفات جديدة لاستقبال الأطفال الأيتام ضحايا الزلزال المتحدرين من إقليم الحوز.
في غمرة الاستنفار الإنساني، بحثت عن خطط وزارة التضامن وحاولت تعقب جهود التعاون الوطني، فاكتشفت أن موقع الوزارة تحت الصيانة، وموقع التعاون الوطني تحت التجريب.