محمد اليوبي
بعد غيابه عن 18 جلسة محاكمة، أصدرت هيئة الحكم بغرفة الجنايات الاستئنافية المكلفة بجرائم الأموال بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء، قرارا يقضي بإحضار النائب البرلماني الاستقلالي، محمد كريمين، الموجود رهن الاعتقال الاحتياطي بسجن “عكاشة”، لحضور الجلسة رقم 19 التي ستعقدها المحكمة، اليوم الأربعاء، من أجل محاكمته بتهمة اختلاس وتبديد أمول عمومية واستغلال النفوذ.
وكانت محكمة جرائم الأموال أدانت كريمين المعزول من رئاسة وعضوية مجلس جماعة بوزنيقة بإقليم بنسليمان، وحكمت عليه ابتدائيا واستئنافيا بأربع سنوات حبسا موقوف التنفيذ، وغرامة مالية قدرها 50 ألف درهم، لكن كريمين طعن في هذا الحكم أمام محكمة النقض التي أصدرت قرارا بقبول طلبه، وأعادت الملف إلى محكمة الاستئناف بالدار البيضاء في أواخر سنة 2022، ومنذ ذلك التاريخ والملف يراوح مكانه بغرفة الجنايات المكلفة بجرائم الأموال، بسبب تهرب كريمين من جلسات المحكمة، وإدلاءه بشواهد طبية، ويتابع في هذا الملف رفقة ثلاثة متهمين آخرين، وهم “ح.م” نائبه الأول السابق، و”م.د” صاحب تجزئة سكنية، بالإضافة إلى “ب.خ” وهو مقاول كان مكلفا ببيع بقع أرضية بالتجزئة السكنية.
وتزامنا مع انعقاد جلسات محاكمة كريمين قبل اعتقاله في ملف اختلالات صفقة النظافة مع شركة “أوزون” لصاحبها عزيز البدراوي الموجود كذلك رهن الاعتقال الاحتياطي بسجن “عكاشة”، تفجرت فضائح أخرى مرتبطة باختلالات شابت قطاع التعمير بجماعة “بوزنيقة”، كانت موضوع أبحاث قامت بها الضابطة القضائية التابعة للفرقة الوطنية للدرك الملكي، بتعليمات من النيابة العامة المختصة.
وقامت عناصر الفرقة الوطنية للدرك الملكي بمعاينة ميدانية لبعض المشاريع العقارية موضوع الخروقات التي تناولتها شكاية وضعها رئيس لجنة التعمير والمرافق العمومية لدى الوكيل العام للملك بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء، كما قامت بافتحاص وثائق مرتبطة بالتعمير بمقر الوكالة الحضرية بمدينة بنسليمان، بعدما وجهت مراسلة إلى مدير الوكالة الحضرية في وقت سابق، وطلبت منه التصاميم التي تهم البنايات المعنية بالخروقات بتراب جماعة بوزنيقة، وأكد المدير في رده أن التصاميم المطلوبة غير موجودة في أرشيف الوكالة.
وتوصلت النيابة العامة بشكايات متعددة ومن ضمنها شكاية وضعها رئيس لجنة التعمير والمرافق العمومية بجماعة بوزنيقة، في الولاية السابقة ضد رئيس المجلس المعزول، ونائبه الأول السابق، ومسؤول بقسم التخطيط، يطالب من خلالها بفتح تحقيق بشأن خروقات في مجال التعمير مماثلة لتلك المخالفات التي حكم من أجلها سابقا وتضمنت الشكاية مجموعة الاختلالات الخطيرة تتعلق بتزوير وثائق رسمية لمجموعة من المشاريع السكنية وتبديد واختلاس أموال عمومية واستغلال النفوذ، وأرفق رئيس لجنة التعمير شكايته بعدة وثائق تثبت حجم الخروقات الخطيرة بالإضافة إلى تقرير خبرة معد في الموضوع وتقرير المجلس الأعلى للحسابات الذي أثبت بدوره عدة خروقات غاية في الخطورة.
وأشار رئيس لجنة التعمير في شكايته، أنه بهذه الصفة وضع يده على خروقات بالغة الخطورة، تتعلق بتسليم بعض المستفيدين من رخص البناء تأشيرات الموافقة على تصاميم مختلفة وتتعلق بنفس المشروع، وذلك أن التصميم الأول يوقعه رئيس الجماعة، في حين أن التصميم الثاني المتعلق بنفس المشروع يوقعه نائبه الأول وكلاهما يتعلقان بنفس التاريخ، وهو الأمر الذي يجعل المستفيد في غير حاجة لإجراء أي تعديلات قانونية كما يسهل عملية التحفيظ، الأمر الذي اعتبره “تزويرا بمفهومه القانوني واستغلالا بشعا للنفوذ”، وهو ما أكده تقرير للخبرة، كما أن المجلس الأعلى للحسابات رصد مجموعة من الخروقات الإدارية، وتطرقت الشكاية إلى مشروع تجزئة بالجماعة، حيث حصل صاحب المشروع على وثيقتين إداريتين رسميتين، الأولى أصلية، فيما حصل على وثيقة مزورة تحملل نفس التاريخ ونفس المراجع، إلا أنها تتعلق بتصميم مخالف تماما لما صادقت عليه اللجنة المكلفة بالتعمير، وهو الأمر الذي يمكنه من تحفيظ المشروع رغم اختلالاته وبناء على وثائق رسمية مزورة وغير متطابقة مع الأصل.
وكان كريمين موضوع عدة شكايات من طرف مستشارين من المعارضة والأغلبية، أحيلت بعضها على محكمة جرائم الأموال بالدار البيضاء، تتعلق بمخالفات مشابهة للمخالفات التي حكم من أجلها، فيما أحليت شكايات أخرى يتجاوز عددها 20 شكاية، على المفتشية العامة للإدارة الترابية التابعة لوزارة الداخلية والمجلس الجهوي للحسابات، تتضمن العديد من الاختلالات بعضها ورد في التقرير السنوي للمجلس الأعلى للحسابات.
وكشف تقرير المجلس أن الرئيس منح تفويضي إمضاء لنائبه الأول والثاني يهمان تباعا، من جانب أول الوثائق المرتبطة بالميدان الإداري والمالي ومن جانب ثان الوثائق التي تخص قطاع التعمير والبناء، وبالرغم من أن هذين التفويضين ألغيا تباعا بتاريخ 23 مايو 2016 و10 أبريل 2017 ، فإن التفويض الأول الممنوح للنائب الأول للرئيس يهم أصلا مجالا غير قابل للتفويض بموجب المادة 103 من القانون التنظيمي، كما سجل المجلس أيضا عدم قيام مصالح الجماعة بإحصاء الأراضي الحضرية غير المبنية مما يترتب عنه ضياع مداخيل مهمة تفوق، حسب تقديرات المجلس الجهوي للحسابات، مبلغ 9.501.185 درهم عن الفترة الممتدة من 2014 إلى 2017، كما رصد التقرير وجود اختلالات أخرى إدارية ومالية، تهم صرف حوالي 70 مليون درهم من المال العام.