شوف تشوف

شوف تشوف

أيتام يتيم 2.1

 

 

أقام بنكيران، عندما كان رئيسا للحكومة، الدنيا وأقعدها من أجل أن يدخل الآباء في التغطية الصحية لأبنائهم الموظفين، وفعلا استطاع تحقيق ذلك، لكن السؤال المحير هنا هو كيف يستطيع الموظف أن يدخل والديه معه في التغطية الصحية إذا كان هو نفسه لا يتوفر عليها أصلا ؟

ولدينا مثال حي لحوالي 700 موظف يشتغلون في مؤسسة عمومية، هي الوكالة الوطنية لإنعاش الشغل والكفاءات، لا يتوفرون على التغطية الصحية الإجبارية.

وحكاية حرمان هذه المؤسسة من التغطية الصحية كانت وراءها صفقة بين مديرية الموارد ومكتب الاتحاد العام للشغالين بالمغرب وجمعية الأعمال الاجتماعية للوكالة الوطنية لإنعاش التشغيل والكفاءات يدفع ثمنها منذ سنوات مستخدمو الوكالة.

فقد أبرمت الوكالة عقد التأمين الصحي مع شركة تأمين خاصة عِوَض الانخراط في نظام الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي CNOPS  مثل جميع الموظفين العاملين بالمؤسسات العمومية، وهاته الشركة الخاصة للتأمين لا تتعامل مثل نظام التعاضدية، فهي تشتغل بمفهوم “خلص ومن بعد نرجعو ليك”، خصوصا بالنسبة للأمراض الخطيرة مع تحديد سقف التعويض.

وهذه المعاناة عاشتها مستخدمتان بوكالة مكناس واللتان توفيتا بعد معاناة طويلة مع المرض وبعدما وجدتا نفسيهما مضطرتين للتكلف بالعلاج في غياب تام لشركة التأمين الخاصة التي لم تتحمل مصاريف علاجهما من مرض خبيث أودى بحياتهما.

واليوم تعيش موظفة أخرى تشتغل مستشارة بالتشغيل بإحدى وكالات الرباط المعاناة نفسها، بحيث رفضت شركة التأمين الخاصة تحمل مصاريف علاجها التي تفوق 4 ملايين سنتيم، وطالبتها بالأداء وانتظار التعويض، ما اضطر عائلتها وأصدقاءها إلى التكلف بقسط من مصاريف العلاج في غياب تام للمسؤولين بالوكالة الذين يبررون موقفهم بأن الإدارة نظمت استفتاء حول الموضوع ولاحظت أن معظم المستخدمين فضلوا الشركة الخاصة، وهو ما يكذبه المستخدمون الذين طالبوا إلى حدود السنة الماضية بالانخراط في تعاضدية الموظفين.

وهنا يطرح الموظفون أسئلة حول عبثية اختيار شركة تأمين خاصة عوض الانخراط في نظام التعاضدية مثل جميع الإدارات، والسؤال الأهم هو ما هو موقف الإدارة من هاته الفضيحة علما أن المدير العام أوقف منذ أيام توقيع مدير الموارد البشرية، وعلما أن أغلب الوكالات يسيطر عليها الاستقلاليون، الذين رغم تواجدهم في البرلمان لم يطرح أي أحد منهم المشكل تحت القبة، وعلى رأسهم عادل بنحمزة، الموظف الشبح المحسوب على وكالة إنعاش الشغل، والبرلمانية فتيحة البقالي، التي يشغل زوجها مسؤولية بوكالة المؤسسة بالرباط، وعبد الغني لحلو، مدير ديوان حميد شباط، عندما كان أمينا عاما للحزب، قبل تعيينه حاليا مديرا للفريق البرلماني بمجلس النواب.

والأخطر في الموضوع هو موقف وزارة الشغل والإدماج المهني وهي الوزارة الوصية على القطاع، والتي يوجد على رأسها النقابي السابق، محمد يتيم، الذي طالما اشتكى من عدم تلبية الملف المطلبي لنقابة حزب العدالة والتنمية التي كان يقودها، وهو الملف المطلبي الذي أصبح اليوم فوق مكتبه، بعد تعيينه وزيرا على قطاع التشغيل.

السيد يتيم منذ أن غير دربالة النقابي بكوسطارات السيد الوزير وأصبح حريصا على مظهره ونسي مطالب الطبقة العاملة التي بفضل ظهورها صعد إلى الحكومة، ويبدو واضحا الآن أن التوجه العام للحكومة الحالية التي التحق بها يتيم هو القضاء النهائي على الوظيفة العمومية، والتي هي المتنفس الوحيد لعشرات الآلاف من حاملي الشواهد، في ظل الفوضى المنظمة التي يعرفها القطاع الخاص، وغياب الشفافية في إسناد المشاريع بالنسبة للراغبين في خلق مقاولاتهم الخاصة.

فبعد رفع سن التقاعد، ومعه رفع نسبة الاقتطاعات الشهرية من الأجور على دفعات منها دفعة ستصفع الموظفين في يناير القادم، وبعد الإقرار الرسمي للتوظيف بالتعاقد، والذي مكن قطاع التعليم من استقبال ما يفوق 30 ألف مدرس بدون تكوين، أغلبهم تم تعيينهم مباشرة في العالم القروي، ها هي حكومة العثماني تجتهد أكثر لإرجاع نظام السخرة، الذي كان معمولا به في القرون الوسطى، إلى الإدارة العمومية، وهذه المرة عبر بوابة اسمها “التدريب بقصد التأهيل”، وهي صيغة ستمكن الإدارات العمومية من الاستفادة من “نظام المرونة” المعمول به في القطاع الخاص، والذي سيمكنها من موارد بشرية تشتغل بكل طاقتها لصالح الإدارة، ولكن فقط بمنحة تتراوح بين 800 و1500 درهم، وسيكون لهذه الإدارة أن تشغل “متدربين” لمدة سنة، ليتم التخلي عنهم وتعويضهم بمتدربين آخرين.

الغريب هو اعتبار هذا “الإنجاز” جزءا من خطة الحكومة للقضاء على البطالة، مثلما تعتبر إحصاء المشردين والفقراء إنجازا يحسب لها.

وهذا المشروع العجيب يقف وراءه محمد يتيم النقابي “الصنديد” الذي قاد لسنوات نقابة تعتبر نفسها جاءت لتضفي الالتزام على العمل النقابي وتقضي على “الميوعة النقابية”.

وهكذا فعوض أن يقترح يتيم حلولا ناجعة لمعضلة البطالة ها هو يزيد الطين بلة، وفِي الوقت الذي كنا ننتظر أن يعمل يتيم على تصحيح طريقة عمل “الأنابيك” والتي تضع الآلاف من الشباب رهن إشارة مصاصي الدماء في المقاولات الخاصة، والذين يتم تشغيلهم في ظروف لا يقبل بها عادة العمال المرسمون، ويتم استغلال وضع هؤلاء “المتدربين” في وضع أقل ما يمكن أن نقول عنه بأنه حاط من الكرامة تحت مسمى “عقود الإدماج”،

ها هو يقترح استعباد الشباب بنظام سخرة معاصر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى